أذرع إيران: مصير السلاح بيد المهدي؟
بقلم حسن فحص
«أساس ميديا»
في ظلّ التصعيد السياسي والأمني في العراق، تبرز تغريدة أبي علي العسكري كمؤشر على تحوّل جديد في خطاب الفصائل المسلحة، فهل نحن أمام معركة وجودية تتجاوز حدود السلاح إلى قلب الهوية العقائدية والسياسية؟ وهل تحوّل سلاح الفصائل في العراق من أداة مقاومة إلى رمز عقائدي لا يقبل المساومة؟
لم تكن تغريدة المتحدّث الأمنيّ باسم كتائب حزب الله العراقي أبي علي العسكري على منصّة X التي خاطب فيها دعاة نزع سلاح الحشد وتفكيكه: “ليسمع العالم ومَن به صمم أنّ سلاح المقاومة هو وديعة الإمام المهدي عند المجاهدين لحماية العراق ومقدّساته، وقرار التخلّي عنه لا يكون إلّا بيدِ الإمام”، موقفاً بوجه الدعوات المطالبة بنزع سلاح الفصائل المسلّحة، أو ما يُعرف في الأدبيّات السياسية العراقية بالسلاح المتفلّت. ولم تكن ردّاً على تمسّك السيّد مقتدى الصدر زعيم التيّار الصدريّ، أو ما بات يُعرف بالتيّار الوطني الشيعيّ، بموقفه الرافض للعودة إلى العمليّة السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة ما لم تبدأ الحكومة العراقية بتطبيق آليّة واضحة لإنهاء هذه الظاهرة التي تحوّلت إلى أداة تستخدمها الفصائل للتأثير على إدارة الدولة والمؤسّسات.
إذا ما كانت تغريدة العسكري قد جاءت نتيجة قيام النوّاب الكرد والسنّة في البرلمان بتعطيل جلسة البرلمان بالانسحاب منها، وإسقاط القراءة الثانية للقانون الجديد لتنظيم الحشد الشعبي، فإنّ أسباباً أخرى أكثر خطورة دفعت قيادات الفصائل إلى رفع مستوى المواجهة، عبر الربط بين هذا السلاح وظهور الإمام المهدي، وذلك ردّاً على كلّ الضغوط الأميركية والإقليمية والداخلية التي تمارَس على الحكومة، من أجل اتّخاذ خطوة حاسمة لنزع هذا السلاح وتفكيك الحشد الشعبي.
مرحلة الفوضى
تحدّثت التسريبات العراقية عن لقاء جرى بين رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني والقائم بأعمال السفارة الأميركية في العراق ستيفن فاجن، الذي سبق أن شغل منصب سفير الولايات المتّحدة الأميركية في اليمن عام 2022 في عهد الرئيس جو بايدن، وأنّ الدبلوماسي الأميركي أكّد بوضوح للسوداني “ضرورة حصر سلاح الفصائل”. ينسجم هذا الموقف مع موقف الإدارة الأميركية الحازم من هذا السلاح، حتّى إنّ تلكّؤ الحكومة العراقية سيؤدّي إلى تدخّل دولي لحسمه، بعيداً عن حساب التداعيات التي قد تدخل العراق والعملية السياسية في دائرة المجهول والفوضى.
المواقف التصعيدية للفصائل المسلّحة، في مستواها السياسي “الإطار التنسيقي” المشارك في الحكومة، أو مستواها العسكري المعروف باسم فصائل الحشد، ومعها الفصائل غير المنضوية في الحشد، أو تلك المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية، مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيّد الشهداء وكتائب الإمام عليّ، جاءت ردّاً على التشدّد الأميركي الذي قد يؤدّي إلى وضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الحشد، مع ما يعنيه ذلك من إمكان دخول العراق مرحلة من عدم الاستقرار والفوضى الأمنيّة، والتي قد تطيح بالعملية السياسية وتعيد رسم المشهد العراقي وموازين القوى وفق معطيات مختلفة.
من هنا يأتي الكلام السياسي والأمنيّ المرتفع الذي صدر عن قيادات هذه الفصائل، خاصّة تلك المدرجة على اللوائح الأميركية، محذّراً من عواقب السير بالمطالب الأميركية التي تريد تكريس نتائج الأحداث والتطوّرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط لمصلحة مشروعها، ولذلك جاء موقفها واضحاً من مسألة سلاح الحشد وتشكيلاته ومؤسّساته عندما أكّدت في الخامس من تمّوز الجاري أنّها “لن تتخلّى عن السلاح” ووصفته بأنّه “خيار استراتيجي لا مساومة عليه”، مضيفة “سلاحنا باقٍ حتّى زوال التبعيّة”.
كانت الفصائل قد أوصلت رسالتها السياسية وموقفها من المطالب الأميركية بنزع السلاح وتفكيك الحشد الشعبي وإعادة دمجه في المؤسّسة العسكرية الرسمية للدولة العراقية، ورأت أنّ إسقاط الجلسة البرلمانية لإقرار قانون الحشد الجديد يأتي في سياق خضوع بعض المكوّنات العراقية للإملاءات الأميركية ومخطّطاتها في العراق. والمكوّنات التي تواجه هذا الاتّهام من الحشد هو المكوّن الكرديّ، وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني وبعض القوى السنّية، وخاصّة حزب “تقدّم” بقيادة محمد الحلبوسي العائد إلى العملية السياسية، ومعها بعض القوى الشيعية. وبالإضافة إلى الإملاءات الأميركية، تدفع دوافع داخلية أيضاً هذه الجماعات للمواجهة مع الحشد ورئيس الوزراء.
تعتقد هذه الفصائل أنّ التصويب على الحشد والمطالبة باستبعاد رئيس هيئة الحشد فالح الفيّاض يهدفان إلى ممارسة المزيد من الضغط على رئيس الوزراء لإضعافه، أوّلاً انتخابيّاً لأنّه متحالف مع الفيّاض في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وثانياً لإخراجه من العملية السياسية بتحميله مسؤوليّة أيّ تطوّر أمنيّ وفوضى.
معركة وجودية
أمّا في الجانب العقائدي، فقد جاء موقف الفصائل الرافض تسليم السلاح بمنزلة ردّ على موقف المرجعية الدينية في النجف التي أعادت تكرار موقفها الثابت بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء ظاهرة التفلّت. فقد سبق للفياض بصفته رئيساً لهيئة الحشد أن رسم حدوداً بين فتوى الجهاد الكفائيّ التي أصدرتها المرجعيّة الدينية باعتبارها الأساس العقائدي لإنشاء الحشد، وبين استمرارية عمل الحشد كأحد صنوف القوّات المسلّحة وإحدى أهمّ ركائز الحرب ضدّ الإرهاب ودعامة من دعائم استقرار العراق.
إلّا أنّ الجديد في موقف “أبي علي العسكري” الذي ربط بين السلاح والإمام المهدي، أنّه رفع موقع هذا السلاح إلى مستوى القداسة، وأنّ المرجعية بما هي ممثّلة للإمام المهدي لا تملك الحقّ في تقرير مصير هذا السلاح، لأنّ المصلحة العقائدية والأيديولوجيّة والسياسيّة تُخرج هذه الصلاحيّة من يد المرجعيّة وتضعها في يد صاحب الأمر مباشرة. وهنا يصبح الدفاع عن هذا السلاح معركة وجودية لكلّ الجماعة العقائديّة.
في تناغم واضح يكشف أبعاداً عقائدية وأيديولوجية في التعامل مع المعادلات الجديدة في المنطقة بدأت تتبلور وراء كواليس مواقف مكوّنات محور الممانعة، جاء كلام الأمين العامّ لـ”الحزب” في لبنان، الذي وصف حزبه بأنّه “حزب الإمام المهدي”، وبالتالي سلاحه هو سلاح الإمام، ولا يملك صلاحيّة التصرّف بهذا السلاح ما دام الإمام غائباً أو غير موجود. ولذا المطالبون بنزع هذا السلاح عليهم انتظار ظهور الإمام، وإلّا فإنّ جماعة “الحزب” على استعداد للدفاع عن السلاح وعدم التخلّي عنه باعتباره معركة وجوديّة.
في أدبيّات “الحزب” لم يكن شعار “عاشوراء طريقنا إلى المهدي”، الذي اختاره “الحزب” في لبنان لمناسبة عاشوراء في 19 أيلول 2023، اختياراً آتياً من فراغ أو محاولة لتأكيد “وحدة المنهج” في سيرة وعمل وأعمال أئمّة المذهب الشيعي من آل بيت الرسول (ص)، بل كان رسالة واضحة تعبّر عن الرؤية الأيديولوجية والسياسية التي تحكم عمل “الحزب” وتعاطيه مع التحدّيات التي يواجهها، خاصّة أنّ هذه التسمية أو الشعار جاء قبيل أيّام من انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل من العام نفسه.
ليس هذا الاختيار عبثيّاً، إذ من المعروف أنّ جلسات عصف ذهني كانت تُعقد لاختيار هذا الشعار كلّ سنة، وشارك فيها الأمين العامّ الراحل السيد حسن نصرالله، الذي يملك صلاحيّة اتّخاذ القرار النهائي في اختيار الشعار المطلوب. والانتقاء من الأفكار المطروحة يأتي متناسباً مع متطلّبات المرحلة التي يمرّ بها “الحزب” أو يتوقّع حصولها ووقوعها. وبالتالي السياق العامّ الذي يحكم مواقف القوى الواقعة في عين العاصفة الأميركية هو وحدة الموقف الأيديولوجي الموكول إلى صاحب السلاح.
حسن فحص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.