أُطلب العلم ولو تَحت السنديانة

5

بقلم فوزي عساكر
رئيس تحرير مجلة «العالمية»
إذا فسد الملح، بِماذا يُملَّح؟! وإذا فسدت المدارس، على الدنيا السلام!
إنّ أخطر تِجارة سارية في هذه اليام، هي تِجارة المدارس. فهي تبيعُكَ المعرفة بثمن الدم! وأنت تطلب العلم، في زمن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فتفاجئكَ المدارس بالذكاء الاحتيالي، وتستحمركَ وتستحمر المعلمين، فتسطو على عرق جبينكَ متذرّعةً بِمعاشات المعلمين، فيما المعلمون يعيشون من الفُتات المتساقط عن مائدة أولياء المدارس! والمؤسف المضحك، هو أنّ المدارس تستحمركَ، وبالنهاية تتّهمكَ أنَّكَ فهمت!… فجريـمةٌ كبرى أنك فهمتَ ابتزازهم ولم تصمت، ولم تتظاهر بالغباء.
يوم رفعت الدولة درجات المعلمين، استدعى أحد مدراء المدارس معلّميه، ليبلغهم بالقرار. وفيما كان يناقش معاش أحدهم، أبلغه بأنه سيحصل على أربع درجات إضافية تُزادُ على معاشه. ففرح هذا المعلم، لأنه كان ينتظر فرصةً من السماء، كي يشتري نظّارات بعد أن أفقدته مهنة التعليم والتربية نظره؛ ودواءً للضغط، بعد أن سُرِقَ عمره وهو ينتظر الفرج؛ ودواءً للسكّري، بعد أن كان يسدّ جوعه برغيف مبلول بالماء والسكر، لأنّ معاشه لا يكفي لشراء اللحوم والفاكهة والمغذيات…
ولكنّ فرحه لم يكتمل، لأنّ المدير أوضح له أنّ معاشه الذي بلغَ يومها مليون ليرة، وبعد ان تُضاف اليه الدرجات الأربع، وبِحسب حسابات المدير الفقيه، سيصبح سبعمئة ألف ليرة، أي بِخسارة ثلاثْمئة ألف.
فتعجّبَ المعلّم، كيف يُمكن أن تُضاف الدرجات الأربع، فيتناقص المعاش! واستوضح الأمر، فأجابه المدير: أنت لن تفهم، فهي حسابات معقّدة، وأنا قد سوّيتُها وانتهى الأمر.
عندها، سأله المعلم: أيّها المدير الجليل، إذا كنتَ تستحمرني إلى هذه الدرجة، وتَجعلني أصدّق ما أنت لا تصدّقه، فحرامٌ على الطلاب أن يعلّمهم معلّم مثلي، يصدّق احتيال المدير ويصفّق له: وتابع: قُل لي صراحةً: «أنت تستحق أكثر بكثير، ولكن أنا أسلبك حقك بالقوة.» وتستطيع ذلك، لأننا لسنا في دولة الحقوق والعدالة، ولكن أن تستحمرني، فلا… لأني أعرف كما غيري يعرف، أنك وغيرك من مدراء المدارس، تسلبون حقوق المعلم بالاستحمار أو بالترهيب. والدولة المجحفة، سَمحت للمدارس بِهرطقة أن تصرف معلميها قبل الخامس من شهر تَموز في نِهاية العام الدراسي، ومن دون أيّ إنذار.
واليوم، هذه المدارس التي تعلّم طلابَها في كتاب التربية، هي تعلّمهم دروسًا لا تُطبَّق في غابة التربية في هذه الوطن. وفيما تُخبرهم عن الحقوق والواجبات، تَحرم المعلمين المتقاعدين من حقوقهم، وتتنصّل من واجباتِها تـجاههم، وتتلطّى تَحت عباءة الدين والطائفة، لتسرق الأمان في بيوت أبناء الله.
فيا ليت الخوري يوسف يقوم من قبره، ويرجع إلى السنديانة التي علّمَ تَحتها العباقرة، ليصحّ القول: «أطلب العلم ولو تَحت السنديانة». ربّما استطاع أن يربّي جيلاً جديدًا نظيفًا، يَحكم البلاد فلا يسرق ولا ينهب ولا يبيع القرطاسية بسعر الدواء!
فوزي عساكر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.