إيران والفرص الضائعة
كتب عوني الكعكي:
كم منّا يتذكّر أزمة رهائن السفارة الأميركية في إيران، التي استمرت 444 يوماً، وتزامنت مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979؟..
الأزمة التي أشعل شرارتها مجموعة من الطلبة الإيرانيين المأسورين بفكرة الثورة المقدّسة، والمتوهمين بأنّ البطل القادم من الغرب سيؤسّس مدينتهم الفاضلة وسيقضي على الفقر والفساد والاستبداد.
ومنذ ذلك التاريخ… والجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة نظام الملالي، تفوّت فرصاً عدّة ليست بالقليلة… وها هي أهم تلك الفرص:
* الفرصة الأولى:
عام 1980 قامت إيران بحرب على العراق تحت شعار التشييع.. السؤال هو: ماذا لو قامت إيران بشن تلك الحرب على إسرائيل بدل العراق؟ فماذا كانت ستكون النتيجة؟
في ذلك الوقت كان الجيش الإيراني بما يمتلك من أسلحة وخاصة من طائرات F/15 وF/16 من أهم الجيوش في المنطقة.. وللعلم أيضاً فإنّ أميركا كانت تعتبر إيران خط الدفاع الأوّل عنها ضد الاتحاد السوڤياتي. بمعنى آخر، إن الأموال التي دفعت في الحرب ضد العراق مع خسارة مليون عسكري. هذه الأموال وهذه الحرب كانت أزالت وأضعفت إسرائيل بشكل كبير لو شُنّت الحرب الإيرانية على العدو الصهيوني.
* الفرصة الثانية:
عام 1982 قامت إسرائيل في 6 حزيران بحرب شاملة على لبنان، وصلت فيها الى بيروت التي حوصرت لمدّة 100 يوم. بعدها انسحب أبو عمّار (ياسر عرفات) ومعه جيش منظمة التحرير الفلسطيني وكامل القيادة الفلسطينية عبر مرفأ بيروت. وهنا السؤال: لو ان إيران دخلت تلك الحرب كما تفعل اليوم، ألم تكن نتائج 1982 غير ما حصلت؟ بل كانت فرصة كبيرة لإيران كي تساعد الفلسطينيين واللبنانيين.. ولكن للأسف خسر الإيرانيون فرصة كبيرة وبقوا يتفرّجون تحت نظرية «أسمع كلامك يعجبني وأرى أفعالك أتعجّب».
* الفرصة الثالثة:
7 أكتوبر يوم تاريخي في الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل.. حيث للمرّة الأولى في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي، تمكّن 250 بطلاً من أبطال «طوفان الأقصى» من أسر أكثر من 200 شخص خلال ساعة، وقتل أكثر من 1200.
السؤال: منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الأمس القريب: ماذا فعلت إيران؟ طبعاً كانت تتفرّج بدون أي عمل.. لذلك نسأل القيادة الإيرانية: أين شعار تحرير القدس؟ وأين «فيلق القدس»؟
* الفرصة الرابعة:
دخل «الحزب» عام 2023 وتحديداً في 7 أكتوبر في حرب مساندة لغزة، واستطاع أن يجبر سكان شمال فلسطين على الهروب الى الداخل الإسرائيلي، وكان عددهم 80 ألف مواطن.
السؤال البسيط والطبيعي: بما أن حزب الله هو الذراع الأقوى للجمهورية الاسلامية في إيران، لماذا لم تتدخّل الجمهورية الإسلامية لمساندة الحزب ومساعدته… بدل أن تقف تتفرّج وتكتفي بإطلاق البيانات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟
* الفرصة الخامسة:
تمّ اغتيال القائد إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران ووسط «بيوت» الحرس الثوري في مكان كان من المعروف أنه آمن مكان في إيران.
المصيبة الكبرى أن الردّ الإيراني كان من خلال إرسال 300 صاروخ، في رحلة تاريخية حيث حدّد ساعة انطلاقها وساعة وصولها، وكان الموضوع مسرحية محدّدة.. والأنكى أن تلك الصواريخ وتلك الليلة كانت ليلة تاريخية، ليتبين في الصباح أن الصواريخ لم تقتل حتى «قطة».. وزيادة فإنّ الصواريخ هي صناعة «قيصر عامر» وهو محل ألعاب نارية مشهور جداً كان في المنطقة التجارية في مدينة بيروت، وكانت تسمّى منطقة «البرج».
* الفرصة السادسة:
لقد أضاعت طهران فرصة تاريخية أيضاً، حين رفض المقترح الأميركي خلال التفاوض، مما فرض على دونالد ترامب إعطاء إيران فرصة 60 يوماً للقبول بالورقة الأميركية، وحين لم تستجب إيران نجح نتنياهو في توجيه ضربته الأولى لإيران في اليوم الـ61.
والسؤال: لماذا طالب المرشد الإيراني واشنطن بالتوقف عن تقديم مطالب «فظيعة» في المفاوضات، وسط تحذير من الرئيس ترامب بأنّ على إيران «التحرّك بسرعة» وإلاّ فسيحدث أمر سيّئ؟
وهنا التساؤل أيضاً: هل كانت المطالب الأميركية «وقحة» ومبالغ فيها؟ بل إن الفظاعة الحقيقية تكمن في إضاعة فرصة تفاوضية من شأنها أن تجنّب إيران والمنطقة حرباً حقيقية.
خلاصة القول: الحرب بدأت فعلياً، وبشكل غير تقليدي بين إيران وإسرائيل التي كسرت أذرع طهران في المنطقة ولو جزئياً من لبنان الى غزة، وسهّلت سقوط الأسد.
وأظنّ أنّ الفظاعة هنا ليست بعدم تخصيب اليورانيوم، وإنما في إعطاء ذرائع لنتنياهو من أجل شن حرب مدمّرة على إيران. والفظاعة هي في تفويت الفرص التي تحوّلت الى فرص ضائعة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.