“الحزب” يخشى سلام… أو المارد السُّنّيّ؟

28

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

يتحدّث رئيس الجمهوريّة جوزف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام لغة واحدة تستند إلى وثائق دستوريّة في مسألة حصريّة السلاح في يد الدولة اللبنانية: “الطائف، خطاب القسم، البيان الوزاريّ”. يسمع المبعوثون الدوليون لهجة واحدة لا لكنات داخلها، حتّى إنّها لا تبتعد عمّا يصدر عن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. تبدو الدولة في ذلك الملفّ موحّدة، على الأقلّ في العناوين الكبرى، في العزم على نقل لبنان من تقليديّة تعدّد السلاح إلى احتكاره المتوخّى من قبل الدولة اللبنانية وحدها.

 بعد اتّفاق الطائف لعام 1989، باتت القرارات تتّخذها الحكومة مجتمعة، بمعنى أنّ وجهة لبنان السياسيّة في قضايا الداخل والخارج يتمّ اتّخاذ القرار فيها بالإجماع أو بالأغلبيّة داخل مجلس الوزراء لتصبح قراراً رسميّاً خالصاً يمثّل كلّ لبنان. وحين يقول الرئيس عون: “طلبت هذا وقرّرت ذاك”، فإنّ تلك التوجّهات هي جزء من عمليّة سياسيّة تجد مآلاتها النهائية داخل الحكومة التي يرأسها الرئيس سلام. ومع ذلك “الحزب” متمسّك بما يعتبره نباهة سياسيّة في استهداف رئيس الحكومة (وليس الحكومة مجتمعة) ومراعاة العلاقة والخطاب مع رئيس الجمهوريّة.

تولّى “الحزب” المشاركة في انتخاب عون رئيساً للجمهوريّة. فاجأ الرئيس المنتخَب لبنان، و”الحزب” طبعاً، بعد دقائق من ذلك الحدث بتلاوة “خطاب القسم” الذي وعد بوضع حدّ لظاهرة سلاح “الحزب”. وحتّى لا يضيع المعنى وسط صخب الأبجديّات، أعاد عون على مسمع اللبنانيّين، و”نوّاب الأمّة” خصوصاً، بمن فيهم نوّاب “الحزب”، تكرار ما بات لازمة العهد: “حصريّة السلاح بيد الدولة”. قد يقول قائل إنّ “الحزب” لم يعرف بخطط الرئيس المنتخَب ووضوحها ولهجتها الحازمة إلّا بعد انتخابه، فصمت كما يصمت عادة لإنتاج ما يقوّض لاحقاً أيّ خطاب.

كان يعلم جيّداً

لم يعلم “الحزب”. لكنّه في حالة حكومة الرئيس نوّاف سلام كان يعلم جيّداً. لم يوارِ “الحزب” غياب مشاعر الودّ لسلام حين مالت دفّة يوم المشاورات النيابية الملزِمة في 13 كانون الثاني الماضي إلى تكليفه بتشكيل الحكومة. تحدّث رئيس كتلة “الحزب” النيابية، محمد رعد، من على أبواب قصر بعبدا، عن “بعضٍ يريد الإلغاء والإقصاء… وعن يدٍ ممدودة قُطعت… وعن أن لا شرعيّة تناقض العيش المشترك”.

غير أنّ سلام لم يفاجئ “الحزب” على خلاف ما تسمح به أعراف “خطاب القسم” الذي يُماط اللثام عنه “بعد” عمليّة الاقتراع. قدّم رئيس الحكومة ما تنوي حكومته أن تحقّقه عبر “البيان الوزاري” الذي جرت تلاوته تحت قبّة البرلمان وعلى مسامع نوّاب “الحزب” “قبل” الاقتراع على الثقة بالحكومة. قال البيان بدقّة وجلاء: “تعمل (الحكومة) على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم للسيّد رئيس الجمهوريّة حول واجب الدولة في احتكار حمل السلاح. وإنّنا نريد دولةً تملك قرار الحرب والسلم”. أصغت كتلة “الحزب” النيابية، واستنتجت ما يعنيه، وبناءً على ذلك منحت الحكومة ثقتها.

محض “الحزب” تلك الثقة عن سابق تصوّر وتصميم. لكنّه كلّ يوم يروّج لدى اللبنانيّين، وجمهوره بالأخصّ، أنّه “لم يكن يعلم”. في أيّار الماضي، وتعليقاً على تصريح للرئيس سلام بشأن حصريّة السلاح، قال رعد بعد لقاء مع الرئيس عون في بعبدا: “لن أعلّق حفظاً لبقيّة ودّ موجودة”. بعد أيّام، عاد رعد على رأس وفد احتلّ حبورٌ وجوهَ أعضائه لزيارة سلام في السراي في سعيٍ لاستعادة ذلك الودّ.

استسهال استهداف سلام

لئن يخضع أمر الغضب من رئيس الحكومة والتودّد له والحرد منه لمواقيت سياسية متذبذبة، فإنّ “الحزب” سكت من دون عجب على موقف لوزير الماليّة ياسين جابر، المقرّب من الرئيس برّي، الذي عاد من سفر منعه من حضور الجلسة التاريخية للحكومة في 5 آب الجاري. قال الرجل: “أولويّتنا بناء الدولة وتقوية مؤسّساتها كافّة وتفعيل دورها وتعزيزه، وفي مقدَّمها الجيش اللبناني والقوى العسكرية كافّة، وحصريّة السلاح بيدها، وهذا ما أكّده البيان الوزاري، وهذا أمر متّفَق عليه”.

يستسهل “الحزب” استهداف رئيس الحكومة. يحمّله وحده مسؤوليّة قرار للسلطة التنفيذية مدعوم بأغلبيّة السلطة التشريعية. وعدت الحكومة بتطبيق القرار 1701 العائد لعام 2006 وملحقاته الجديدة التي وافق عليها “الحزب” في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تشرين الثاني 2024. لكنّ اللافت أنّ هذا الاستسهال يطال موقع السُّنّة الأوّل في هيكل الحكم في البلاد، وينتهجه حزبٌ يعتبر نفسه مدافعاً عن الشيعة في لبنان، واعداً إيّاهم واللبنانيّين معهم بحرب “كربلائيّة” للدفاع عن السلاح، على حدّ ما أعلنه أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم.

أظهرت إحدى اللافتات في الهرمل صورة للرئيس سلام ونجمة داوود موسومة على جبينه كتب تحتها “العميل لا طائفة له ولا دين”. وقد تكون تلك الاستراتيجية جزءاً من حالة تحريض وتحشيد للطائفة الشيعية حول السلاح من خلال استهداف موقع السنّة (أي طائفة المُستهدَف) في قضيّة أوّل من أثارها رئيس الجمهورية. يراقب “الحزب” بقلق تباين موقف برّي ووضوح موقف الوزير جابر المقرّب منه، ويخشى تفاقم البعد بين “الثنائي”. حتّى إنّ ذلك الذعر أوحى لرعد بالوعد بانتخاب برّي رئيساً للبرلمان “حتّى بعد وفاته”!

خروج المارد السّنّيّ

يتواكب أمر استهداف سلام مع حملة تحريض ضدّ السعودية وموفدها الأمير يزيد بن فرحان. يندرج الأمر، بخبث، ضمن حملة تخويف ممنهجة من ذلك “المارد” السنّيّ الذي أخرجه سقوط نظام بشّار الأسد من قمقمه في سوريا. في الأمر إيقاظ لِفتنة متخيَّلة من قبل حزب اتّهمت محكمة دولية عناصر تابعة له باغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولئن كانت وما زالت “الغاية تبرّر الوسيلة”، وفق فتاوى ميكيافيلّي الشهيرة، فالواضح أنّه من أجل الدفاع عن السلاح يجوز إطلاق حرب أهليّة هدّد بها زعيم “الحزب”، وأيّ حرب تسعِّرها فتن.

محمد قواص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.