الحكومة السّوريّة تحشُد… هل تقتحم مناطق “قسد”؟
بقلم ابراهيم ريحان
«أساس ميديا»
ماذا يجري في شرق الفُرات؟ وهل تصل الحكومة السّوريّة وفصائل “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” (قسد) إلى تفاهم على توحيد سوريا؟ أم الحلّ سيكون عسكريّاً في حال أصرّت بعض القوى التي تدور في فلك “قسد” على النّزعة الانفصاليّة؟
لم يكُن عابراً الكلام الأخير للرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع الذي وصفَ خلاله تقسيم سوريا بأنّ “عوامله غير مُتوافرة ومُستحيل”. إذ إنّ حديثه عن الاستقواء بإسرائيل والنّزعات الانفصاليّة لم يكُن موجّهاً للمجموعات الدّرزيّة في السّويداء فقط، بل وللفصائل الكُرديّة المنضوية تحت عباءة “قسد”.
خلال الأيّام الماضية، وقبل كلام الرّئيس الشّرع، أبلغت الحكومة في دمشق فصائل “قسد” أنّ القيادة السّوريّة لن تصبِرَ طويلاً لاستعادة المناطق التي تُهيمن عليها هذه الفصائل في محافظتَيْ الرّقّة ودير الزّور. وإن كانت حكومة دمشق تُفضّل الحلّ السّياسيّ، لكنّ هذا لا يعني أنّ الحلّ العسكريّ ليسَ على طاولة الشّرع.
تستشعرُ دمشق أنّ فصائل “قسد” التي تطالب بحكمٍ ذاتيّ للأكراد تُماطل في تنفيذ ما اتُّفقَ عليه بين الحكومة والأكراد. ولهذا أرسلت الحكومة السّوريّة تعزيزات كبيرة إلى بادية تدمر في محافظة حمص المُؤدّية إلى دير الزّور والرّقّة.
بلغَت حشود الحكومة السّوريّة في تدمر ما يزيد على 20 ألف مقاتل، علاوة على تعزيزاتٍ لقوّات العشائر العربيّة في محافظتَيْ الرّقّة ودير الزّور. وتشير معلومات “أساس” إلى أنّ الآلاف من المُقاتلين العرب المنضوين تحتَ لواء “قسد” أبلغوا دمشق أنّهم سيكونون إلى جانبها في حال قرّرت استعادة المحافظتَيْن بالقوّة.
دعمٌ أميركيّ وتركيّ.. أينَ إسرائيل؟
في واشنطن باتَ يُنظَرُ إلى الفصائل الكُرديّة بوصفها جهةً مُتمرّدة على الدّولة السّوريّة بعد تنصّلها من تسليم الصّلاحيّات للحكومة المركزيّة في دمشق. وكان المبعوث الأميركيّ إلى سوريا توم بارّاك خاضَ جولات من الوساطات بين دمشق و”قسد”، لكنّها لم تصل إلى نتائج بعد.
كما قال بارّاك إنه ليس هناك أي مؤشّر على أن تقوم دولة كرديّة أو دولة علويّة أو درزيّة. وهذا يعبّر عن موقف واشنطن من مسألة قيام دويلات طائفية أو عرقية في سوريا.
دفعَ التّنصّل الكرديّ من الالتزامات بارّاك للإشارة إلى أنّ الولايات المتّحدة تحالفت سابقاً مع “قسد” من أجل مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي، “ولهذا هناك شعور سائد أنّنا كنّا شركاء معهم، ونحن مدينون لهم، لكنّ السؤال الأهمّ: بماذا ندين لهم؟ لسنا مدينين (لهم) بحقّ إقامة إدارة مستقلّة داخل دولة”.
يتكامل تصريحُ المبعوث الأميركيّ في التّوقيت والمضمون مع ما قاله وزير الخارجيّة التّركيّ حقّان فيدان عن نفاد صبرِ أنقرة على المُقاتلين الأكراد. الخوفُ الحقيقيّ لدى فصائل “قسد” هو أن تُقدِم تُركيا، بضوء أخضر أميركيّ، على دخول مناطق سيطرة الفصائل الانفصاليّة في الرّقّة وشرق الفرات بالتّزامن مع هجومٍ للعشائر العربيّة من دير الزّور والحكومة السّوريّة من بادية تدمُر.
لا تزال تشهد الاتّصالات القائمة بين تركيا وإسرائيل في الموضوع الأمنيّ في سوريا خلافاتٍ بين البلدَيْن على التّعامل مع الملفّ الكرديّ. إذ تدعم تل أبيب الرّأي القائل بأن يكون مقاتلو “قسد” فصيلاً شبه مُستقلّ عن الجيش السّوريّ، وهذا ما ترفضه سوريا وتركيا بشكلٍ قاطع.
ما تريده دمشق وأنقرة هو ضمان أن لا تلجأ تل أبيب إلى تكرار نموذج الاعتداءات التي نفّذتها على قوّات الحكومة السّوريّة أثناء اشتباكات السّويداء، خصوصاً أنّ وزير الخارجيّة الإسرائيليّ جدعون ساعر كرّر أكثر من مرّة أنّ من الضّروريّ أن ينشأ حلفٌ كُرديّ – درزيٌّ – إسرائيليّ.
حقيقة النّيّة الإسرائيليّة هو أن تفرض منطقة عازلة في الجنوب السّوريّ يكونُ المقاتلون الموالون للشّيخ حكمت الهجريّ أساسها، وأن ترتبطَ هذه المنطقة العازلة بشريطٍ عازلٍ على الحدود بين سوريا والعراق يُهيمن عليه مُقاتلو “قسد” من البوكمال إلى حدود التّنف عند مُثلّث الحدود السّوريّة – الأردنيّة – العراقيّة.
هذا ما تُدركه دمشق وأنقرة جيّداً. وهذا لا يعني أنّ دمشق تُريد أن تكونَ الحدود السّوريّة – العراقيّة مرتعاً للتّهريب. إذ تريد سوريا وتركيا أن تكونَ هذه الحدود مضبوطة لكن تحتَ سلطة الحكومة المركزيّة في دمشق عبر قوّات الجيش والأمن العامّ السّوريّيْن، وليسَ عبر فصائل تُبقي الفوضى وتُقوّض السّلطة المركزيّة وفرض سلطة الدّولة على الأراضي السّوريّة.
احتمالات الحلّ العسكريّ
يرفعُ من احتمال اللجوء إلى الحلّ العسكريّ مع الأكراد بعض الهجمات التي نفّذتها الفصائل في محاولات لتوسيع نطاق نفوذها باتّجاه مناطق سيطرة الحكومة السّوريّة الأسبوع الماضي.
يُنظر إلى خطوات “قسد” على أنّها محاولة لإظهار القدرة على المبادرة وتوجيه إنذار بأنّ أيّ محاولة لتقدّم الحكومة السّوريّة لن يكون من دون ردّ، ولاختبار مرونة الحكومة وقواعد الاشتباك واحتمالات التصعيد في المستقبل.
قد يُنذر اندلاع اشتباكٍ بين الحكومة و”قسد” بصراعٍ واسعٍ يزجّ أطرافاً إقليميّة، خصوصاً أنّ الحكومة تلقى دعماً تُركيّاً كاملاً، وأنّ الأكراد يعتمدون على الموقف الإسرائيليّ الذي يُروّج لتقسيم سوريا.
هذا ما يُرجّح لجوء الحكومة السّوريّة إلى استخدام القوّة بشكلٍ محدود، لكن من دون الانزلاق إلى صراعٍ واسعٍ. وفي الوقتِ عينه تضغط على فصائل “قسد” للانضواء تحت كنفِ الدّولة والجيش بدعمٍ أميركيّ لم يعُد خافياً ويظهر في تصريحات المسؤولين الأميركيين، وأبرزهم توم بارّاك.
ابراهيم ريحان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.