المبادرة الأردنيّة في طور الاستيضاح والاستيضاح المضادّ: من وراءها؟

27

بقلم كلير شكر

«اساس ميديا»

من خارج سياق التوقّعات والتقديرات الدبلوماسية، ارتفع منسوب التفاؤل خلال الساعات الماضية بعد تسريب ما وصفه الإعلام الإسرائيلي بمسوّدة اتّفاق خطّه الموفد الأميركي آموس هوكستين في إطار حلّ النزاع بين لبنان وإسرائيل الذي تحوّل إلى عدوان همجيّ مدمّر. وما أضاف مزيداً من الحماسة، هي عودة الموفد الأميركي إلى إسرائيل لإبلاغه جواب حكومتها بشأن العرض أو مسوّدة الاتفاق الذي تبيّن أنّ معظم بنوده ترتكز على المقترح الفرنسي.

 في الواقع، حملت الساعات الأخيرة بعض الإشارات الإيجابية المشوبة بطبيعة الحال بالكثير من الحذر، انطلاقاً من حركة هوكستين الذي كان يُنتظر وصوله إلى إسرائيل يوم الإثنين الماضي بناء على ما أبلغه إلى مسؤولين لبنانيين، وإذ به يغيب عن السمع إلى أنّ ظهر على موقع “إكس” معلناً وجوده في واشنطن. لكنّ راصدي مساره يلمّحون إلى أنّ الرجل لربّما وصل قبرص يوم الأحد الماضي ولم يكمل طريقه إلى إسرائيل بسبب التعاطي السلبي الذي أتاه من رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وهو لم يعلن أيّ تطوّر لكي لا يفشل مهمّته، وحين تبدّل المناخ عاد إلى المنطقة.

بانتظار جلاء الصورة، لا بدّ من استعراض جملة عوامل يجب أخذها في الحسبان:

– لا تزال الشكوك تحيط بحسابات نتنياهو من حيث إنّه لن يقدّم هديّة لإدارة جو بايدن، على مسافة أيام قليلة من فتح صناديق الاقتراع الرئاسية، وبالتالي مبادرة هوكستين محفوفة بالفشل، والأرجح أنّ بعض الليونة التي أبداها رئيس وزراء حكومة العدوّ هي أشبه بنصف إنجاز يقدّمه للحزب الديمقراطي قد يساعده في حملته، فإذا فازت كامالا هاريس يمكن إكمال المبادرة من حيث توقّفت، وإذا كان الفوز من نصيب دونالد ترامب يكون لكلّ حادث حديث. هذا مع العلم أنّ المساحة التي تحتلّها مصالح إسرائيل على الأجندة الأميركية، ثابتة ولا تخضع للتغيير بين إدارة وأخرى أو بين الحزب الجمهوري والديمقراطي ولو تبدّل الأسلوب والطريقة.

– إنّ تسريب مسوّدة الاتفاق كما الرسالة الجانبية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا يعدّ عاملاً مساعداً في المسار الدبلوماسي، ولذا بادر البيت الأبيض إلى نسف المسوّدة، خصوصاً أنّ الكشف عن حرص إسرائيل على الاحتفاظ “بحقّ طبيعي في الدفاع عن نفسها والحفاظ على الأمن على طول حدودها الشمالية، بما في ذلك اتّخاذ إجراءات ضدّ التهديدات الوشيكة لأمن إسرائيل”، كما جاء في المسوّدة، يعدّ “مُسيّرة انقضاضية” قد تعترض المفاوضات في ثوانيها الحاسمة.

الحراك الأردنيّ

– يشهد لبنان ومحيطه حركة عربية وإقليمية لافتة موازية لمبادرة هوكستين، تعمل على تحقيق خرق في جدار العدوان. وربّما الانخراط الأردني في الملفّ اللبناني من خلال استقبال الملك عبدالله الثاني رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي ثمّ قائد الجيش العماد جوزف عون، هو الأكثر تعبيراً عن هذه الحركة النابعة بالأساس من خشية أردنية من توسيع رقعة العدوان الإسرائيلي في ضوء التحذيرات التي يطلقها مسؤولو العدوّ، ومن حرص الأردن على عودة الاستقرار إلى لبنان.

هنا تفيد المعلومات أنّ المسعى الأردني لم يرتقِ بعد إلى مستوى المبادرة المتكاملة الواضحة المعالم، لكنّ الكواليس الدبلوماسية تضجّ بالكثير من الأفكار والتساؤلات حول حقيقة هذا التحرّك وأبعاده وخلفيّاته.

تقول المعلومات إنّ عمّان لا تزال في طور النقاش والاستيضاح للأطر والآليّات الممكن اللجوء إليها في حال قرّرت تطوير هذا المسعى، وثمّة اتّصالات تحصل على خطّ بيروت – عمّان من باب جسّ النبض والاستيضاح لموقف القوى اللبنانية منه. كذلك تبيّن أنّ بعض القوى اللبنانية حاولت استكشاف آفاق هذا التحرّك وغاياته والجهات الدولية الممكن أن تكون وراءه، وما إذا كانت السعودية هي المنخرطة في الصفوف الخلفيّة له من باب دعمه، أم الولايات المتحدة الأميركية. كما أنّ التساؤلات المطروحة تشمل طبيعة “اليوم التالي” الذي يسعى إلى تظهيره هذا الحراك، خصوصاً إذا ارتقى إلى مستوى استضافة مؤتمر وطني شبيه بمؤتمر الدوحة، وما إذا كان سيخلص إلى تكريس معادلة توافقية تجمع بين اللبنانيين أم سينتهي إلى تفضيل معادلة غالب ومغلوب في ضوء نتائج الحرب.

لكنّ ما وجبت الإشارة إليه في هذا السياق هو ما رُصد من معطيات جديدة حول اهتمام مستجدّ تبديه المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني لا يزال إلى الآن محاطاً بجدار من الكتمان. وقد أكّد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمس أنّ “حلّ العملية السياسية في لبنان يعود إلى اللبنانيين وليس للسعودية أو القوى الخارجية”.

السّقف الأعلى والمقبول

– رسمت إسرائيل حدود السقف الذي تطمح إلى تكريسه من خلال عدوانها على لبنان، وقد تراوح بين تغيير وجه الشرق الأوسط وبين القضاء على “الحزب” كليّاً، من دون أن يعني ذلك أنّها قادرة على فرض تلك الوقائع، لأنّ الخواتيم متروكة للميدان حيث يخوض مقاتلو الحزب معارك شرسة قد تساهم في خلط الحسابات. ولكن حتى الآن لم تتبيّن حدود السقف الذي ستقبل به إسرائيل لوقف إطلاق النار في إطار صياغة تسوية حدودية تضع حدّاً لمنطق الحديد والنار، خصوصاً إذا ثبت أنّ المسوّدة المسرّبة هي مجرّد مناورة سرعان ما سيتمّ التخلّص منها إذا ما أُقفل باب البيت الأبيض بوجه الديمقراطيين.

مع ذلك، لا يزال القرار 1701 هو الحَكَم أو المرتكز القانوني المقبول دولياً للنظر في المرحلة المقبلة، لكن لم تتبلور بعد كيفية تطبيقه، وما إذا كان الأميركيون وخلفهم الإسرائيليون سيرضون بالحدّ الأدنى من مندرجاته أو سيطالبون بالحدّ الأقصى. ومن الطبيعي أن تلعب المواجهات الميدانية دوراً أساسياً في التحكّم بهذا المعيار.

– إنّ قوّة الردع التي أثبتها الحزب في البرّ قد لا تقلب المشهد رأساً على عقب في ضوء الضربات التي تعرّض لها الحزب لجهة خفض ترسانته العسكرية وتحييد عدد كبير من قادته على رأسهم السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفيّ الدين، لكنّها قد تساهم في تقليص فاتورة الأثمان السياسية التي سيتكبّدها الحزب لحظة إعلان وقف إطلاق النار وإجراء جردة حسابات الربح والخسارة.

– على الرغم من أنّ المنابر الإعلامية شهدت تراجعاً في منسوب التعاطي بالملف الرئاسي بعد التسليم بعدم القدرة على إنجاز الملفّ قبل وقف إطلاق النار، يقول بعض المطّلعين إنّ الجلسات الضيّقة تظهر حركة خجولة وتقارب هذا الملفّ بكثير من الهدوء، حيث لوحظ أنّ طرفاً ثالثاً دخل على خطّ ترتيب العلاقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد جوزف عون بعدما بيّنت الوقائع أنّ رئيس مجلس النواب يُسقط خيار رئاسة عون.

كلير شكر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.