الوقاحة الفرنسية
كتب عوني الكعكي:
يوماً بعد يوم، يتبيّـن لنا ان القيادة الفرنسية لا تزال في تراجع مستمر… إذا قارناها بما كانت عليه في عهد الرئيس شارل ديغول، وفي عهود الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم بعده بدءاً بألان بوهير بصورة موقتة مروراً بجورج بومبيدو ثم ألان بوهير مجدداً وڤاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران… وفي عهد حكم الرئيس جاك شيراك.. حيث كانت فرنسا بالنسبة للبنانيين «الأم الحنون».
ولن نتحدّث عن هذه العلاقات في عهدي نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند.
أمّا في عهد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون ثامن رئيس لفرنسا في ظلّ ما يسمّى بالجمهورية الخامسة فالأمر مختلف تماماً. إذ ان تدهور العلاقات بين فرنسا ولبنان بدا واضحاً وسريعاً.
وكي لا نغوص في التفاصيل، دعونا نبدأ بزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الى بيروت بعد حادثة تفجير مرفأ بيروت، وكان لتلك الزيارة الاثر العاطفي الكبير والمادي… وزاد أمل اللبنانيين عندما اجتمع ماكرون بجميع القيادات السياسية، واتفق معهم على تشكيل حكومة ليتبيّـن بعد ذلك إخفاقه في المرة الأولى، وكرّر تلك المحاولة مرّة ثانية وفشل أيضاً… على كل حال مشكور على جهوده ولكن هذا غير كافٍ، لأننا نعلم ان باستطاعة الرئيس الفرنسي لو أراد أن يرسل لنا صوراً لمن فجّر المرفأ، خصوصاً ان الأقمار قد صوّرت ذلك كله كما أكد ذلك قائد «القوات اللبنانية» حين قال في مقابلة تلفزيونية: «إنّ دول العالم لا تريد أن تغضب إيران لذلك لن يعطونا صوراً عن تفجير المرفأ».
من ناحية ثانية، من المعروف أنّ فرنسا والبنوك الفرنسية عندها الكثير الكثير من مودعين لبنانيين، وبعضهم شركاء في بنوك فرنسية… بمعنى أدق، فإنّ السلطات الفرنسية تعلم كل ما تريده عن حسابات أو عن تبييض عملة، كما تعلم كل شيء عن لبنانيين يعملون في أفريقيا أو في بلاد الاغتراب مثل كندا واستراليا وأميركا الجنوبية.
ما لفتنا هذه الأيام بالفعل، هو موضوع إرسال بعثة قضائية لتقصّي الحقائق لمناسبة التحقيقات بشأن حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة… إنّ هذه التحقيقات بحد ذاتها، تعتبر اعتداء على كرامة اللبنانيين وعلى سيادة لبنان، هذا أولاً.. كما تعتبر نوعاً من عدم الاحترام للقضاء اللبناني. إذ يبدو الأمر وكأنه لا ثقة بهذا القضاء، وهذا ثانياً.
إنطلاقاً من البند الثاني الذي ذكرته… لم أكن أتصوّر أنّ القاضي غسان ابن منيف عويدات، وأنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، حفيد الأديب الكبير مارون عبود يقبلان -من حيث المبدأ- بأي تدخّل خارجي أو حتى داخلي بالعصا، في عهدهما الميمون وهما اللذان «يتغزلان» دائماً بالقضاء المستقل.
والسؤال الآن: أين هو القضاء؟ وهل نقول الله يرحمه؟
بالعودة الى فرنسا، نريد أن نقول لكل السلطات القضائية والمالية: إنّ موضوع الكلام عن الفساد والمفسدين في لبنان عمره من عمر لبنان، إذ لم يأتِ عهد إلاّ وهناك انتفاضات وكلام عن الفساد. بعض هذا الكلام صحيح، والبعض الآخر سياسي بامتياز، ولكن سؤالنا للفرنسيين الذين جاؤوا الى لبنان منذ أربع سنوات يتحدثون عن الفساد، ألم يستطيعوا أن يحصلوا على أي معلومة في فرنسا عن هذا الفساد تكون صحيحة؟
كذلك نقول الكلام نفسه للألمان وإلى بعض الدول الغربية التي تتعاطى بالموضوع.. وسؤالي الثاني لهم: هل وجدوا أي شبهة على حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة؟
كذلك أريد أن أزيد القول: الحاكم يملك بيوتاً ومحلات في العاصمة الفرنسية… كما يملك بيوتاً أيضاً في أجمل المناطق في «الكوت دي زير»، وزيادة في المعلومات فإنّ الحاكم الاستاذ رياض سلامة كان يعمل في باريس في شركة مالية مهمّة جداً هي شركة «ماري لانش» وهي شركة عالمية معروفة جداً، ويعلم الجميع ان الحاكم كان يتقاضى راتب مليوني دولار سنوياً مع حوافز تقدّر بمليوني دولار سنوياً أيضاً.. هذا هو رياض سلامة الذي ترك 4 ملايين دولار سنوياً ليتوظف بـ25 ألف دولار شهرياً، أي ما مجموعه 300 ألف دولار سنوياً… فهل يمكن لأحد عاقل أن يتهم رجلاً بهذه الخصال؟