بترايوس عن الشّرع: الشخصيّات الأقل توقّعاً قد تصبح الأكثر أهمية

11

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

“قبل بضعة أسابيع في مدينة نيويورك، جلستُ أمام أحمد الشرع، الرجل الذي اعتقلته قوّاتنا في العراق عام 2006 لنشاطه مع تنظيم القاعدة، والذي أصبح الآن رئيس سوريا. إنّ رحلة أحمد الشرع من شابٍّ متطرّف في العراق إلى قيادة أمّةٍ مُمزّقة ليست أمراً غير محتمل فحسب، بل هي غير مسبوقة”.

بهذه الكلمات وصف المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس لقاءه منذ أكثر من شهر الرئيس السوري أحمد الشّرع وذلك في مقالة له في مجلّة “ناشيونال إنترست”.

أضاف: “قبل أن أُجري مقابلةً مع الشرع على خشبة المسرح في قمّة كونكورديا، قضيت وقتاً في مراجعة مساره، مسارٍ ذكّرني ببعض أحلك فصول حقبة ما بعد 11 أيلول وآمال الربيع العربي الأكثر هشاشة. أُلقي القبض على الشرع من قِبَل القوّات الأميركيّة في العراق عام 2006 أثناء زرعه متفجّراتٍ قرب الموصل. كان قائد خليّة في تنظيم القاعدة في العراق، وهي جماعة مسؤولة عن بعض أعنف الهجمات في تلك الفترة. أمضى خمس سنوات في مراكز الاحتجاز التابعة لنا، وكان محتجزاً في عامَي 2007 و2008 عندما عدت إلى العراق وقدت حملة التصعيد، التي هزمت خلالها قوّاتنا تنظيم القاعدة في العراق.

على الرغم من أنّني لم أعرفه أبداً أو حتى سمعت باسمه آنذاك، كنت أعرف شخصيّته: ملتزم أيديولوجيّاً، خطير تكتيكيّاً، ويشكّل تهديداً جدّياً لقوّاتنا. في الواقع، بينما كنت أستعدّ لمقابلته، فكّرتُ في العائلات التي قُتل أبناؤها أو بناتها أو أزواجها أو زوجاتها على يديه هو ورفاقه الجهاديّين، وماذا سيفكّرون عندما يجلس القائد الذي أوكلوا إليه أحبّاءهم ذات يوم أمام قائد سابق لتنظيم القاعدة في العراق”.

لم يكن الشّرع عميلاً لنا

نفى بترايوس أي علاقة أمنية مع الشّرع سابقاً: “ما تلا إطلاق سراح الشرع في عام 2011 خالف التوقّعات. عاد إلى سوريا وسرعان ما برز كقائد لجبهة “النصرة”، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، وأحد العناصر التي ثارت ضدّ نظام بشّار الأسد القاتل (على عكس بعض الروايات على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن أحد “أصولنا” عندما كنت مديراً لوكالة المخابرات المركزية في عامَي 2011 و2012. علاوة على ذلك، وخلافاً لتوصياتي في ذلك الوقت، لم تقدّم حكومة الولايات المتّحدة سوى مساعدة متواضعة للغاية للقوّات التي كانت تقاتل عناصر النظام السوريّ خلال تلك الفترة).

بحلول عام 2016، قطع الشرع علاقاته مع تنظيم “القاعدة” وأعاد تسمية حركته باسم “هيئة تحرير الشام”. أصبحت هذه الحركة في النهاية العنصر المهيمن في محافظة إدلب شمال غربيّ سوريا وقوّة عسكرية هائلة. تحت قيادته، بنت “هيئة تحرير الشام” هياكل حكم بدائيّة، محاكم وأنظمة تجاريّة ومرافق تعليميّة، وإن كانت ذات طابع استبداديّ وإسلاميّ.

جاءت اللحظة في أواخر عام 2024 التي غيّرت مسار سوريا. أطاحت قوّات الشرع بنظام بشّار الأسد القاتل. سعت عناصر “هيئة تحرير الشام” إلى تحرير حلب في الشمال من قوّات النظام، وعندما سقطت بسهولة أكبر ممّا كان متوقّعاً، واصلوا تقدّمهم جنوباً لتحرير حماة وحمص من سيطرة النظام. مع انهيار عناصر نظام الأسد أمامهم، أصبح الطريق إلى دمشق مفتوحاً، وواصلت قوّات الشرع تقدّمها، وهو ما دفع بشّار الأسد وزوجته إلى الفرار إلى روسيا.

بحلول كانون الثاني 2025، أدّى الشرع رئيساً لسوريا اليمين الدستوريّة. بعد سنوات من فرض عقوبات على نظام بشّار الأسد وتصنيف “هيئة تحرير الشام” منظّمة إرهابيّة، رفعت الولايات المتّحدة العديد من العقوبات ومكافأة العشرة ملايين دولار على الشرع (على الرغم من أنّ عقوبات الكونغرس لا تزال قائمة ويجب رفعها الآن، مع ربط المساعدة المستقبليّة بالإجراءات على الأرض من قبل الحكومة الجديدة). التقى الرئيس دونالد ترامب بالشرع في الرياض في أيّار خلال اجتماع نسّقته القيادة السعوديّة، ونشر الرئيس لاحقاً تعليقاً إيجابيّاً على الشرع على منصّة “تروث سوشيل”.

لقد أدهشني..

يقول بترايوس: عندما التقيتُ بالشرع خلف كواليس قمّة كونكورديا، على هامش الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، أدهشني سلوكه: هادئ الكلام، عميق التفكير، ومتّزن. كان يمتلك رؤيةً ثاقبة ومعرفةً واسعةً بمكوّنات الاقتصاد والبنية التحتيّة في سوريا. لم يتحدّث كرجل ثوريّ، بل كرجلٍ مُثقلٍ بالتاريخ وعازمٍ على إعادة صياغته. على خشبة المسرح، قال: “لا يمكننا الحكم على الماضي بناءً على قواعد اليوم، ولا يمكننا الحكم على اليوم بناءً على قواعد الماضي”.

كان لهذا الكلام وقعه ليس فقط لدى الجمهور، بل لديّ أيضاً، حتّى عندما تذكّرت أنّ هذا الرجل هو من قاد هجمات “القاعدة” ضدّ قوّاتنا في العراق. كان الجمهور، الذي ضمّ العديد من الأميركيّين السوريّين المتحمّسين الذين لطالما أملوا الإطاحة ببشّار الأسد، واضحاً تأثّره وتشجيعه لكلمات الشرع على المسرح. وأنا أيضاً. في الواقع، كنّا جميعاً “معجبين” بما صرّح بأنّه يسعى إلى تحقيقه.

يسعى إلى توحيد سوريا

يسعى الشرع الآن إلى توحيد سوريا، البلد الذي تمرّ عبره العديد من خطوط الصدع العرقيّة والطائفيّة والقبليّة في الشرق الأوسط. ويحاول إرساء حكم يمثّل جميع الكيانات السوريّة المتنوّعة، ويضمن حقوق الأقلّيات إلى جانب حكم الأغلبيّة. ويسعى إلى إخضاع مختلف مكوّنات سوريا لسلطة الدولة، وإعادة بناء اقتصادها الممزّق بالحرب وبنيتها التحتيّة المدمّرة. فتح محادثات سرّية مع إسرائيل، ودعا إلى إلغاء عقوبات قانون قيصر التي صدرت عن الكونغرس وفُرضت على النظام السابق. خطابه وطنيّ لا جهاديّ. وموقفه براغماتيّ لا أيديولوجيّ.

هل هذا التحوّل حقيقيّ؟

الزمن كفيل بإثباته. بصفتي شخصاً قضى حياته في دراسة التمرّد ومكافحته وحوكمة ما بعد الصراع، أعلم أنّ الخلاص في الجغرافيا السياسيّة نادر وهشّ. الآن، من مصلحة الشعب السوري وجيران سوريا والولايات المتّحدة أن ينجح الشرع وسوريا.

لم تكن مقابلة أحمد الشرع، الذي كان على الجانب الآخر تماماً في سنواتنا الأولى في العراق، لحظة تأمّل شخصيّ (وأكثر من سورياليّة بعض الشيء) وحسب، بل كانت أيضاً تذكيراً بأنّ التاريخ ليس خطّيّاً وأنّ الشخصيّات الأقلّ توقّعاً قد تصبح أحياناً الأكثر أهمّية وتأثيراً.

فلنأمل أن يثبُت هذا الأمر مع أحمد الشرع، سواء استمرّ تحوّله أم تعثّر، فإنّ المخاطر على سوريا، وعلينا، لا يمكن أن تكون أعلى من ذلك”.

إيمان شمص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.