بين عون و”الحزب”: سحب سلاح أم لا سحب سلاح؟

30

بقلم نقولا ناصيف

«أساس ميديا»

انتهت الزيارة الثالثة للموفد الأميركي توم بارّاك لبيروت باستنتاجَيْن متناقضَيْن عُني بهما الأفرقاء الثلاثة ذوو الشأن: فيما لم تُرضِ الزائر الأميركي لعدم حمله المسؤولين اللبنانيّين على برمجة سحب سلاح “الحزب”، ولم تُرضِ أولئك لعدم إقناعهم إيّاه باستمهالهم مزيداً من الوقت توصّلاً إلى ذاك الهدف، وحده “الحزب” كان راضياً بما أفضت إليه: أن يؤكّد قاطعاً أنّه ليس في وارد التخلّي عن سلاحه أيّاً يكن تصنيف أعتدته. 

ما أدلى به الموفد الأميركي توم بارّاك في زيارته الأخيرة لبيروت من أنّ سحب سلاح “الحزب” شأن لبناني داخلي، فيه الكثير من الصواب والصدقيّة. معضلة السلاح أوّلاً وأخيراً بين الدولة اللبنانية و”الحزب”. يتعذّر توصّلهما إلى تفاهم سياسي عليه، ويستعصي أكثر فرض تجريد “الحزب” منه بالآلة العسكرية الإسرائيلية بلا كلفة باهظة. إلى الآن، كلا الخيارَيْن صعب من دون أن يكون مستحيلاً.

في المقابل يتمسّك كلّ من الطرفَيْن اللبنانيَّين المعنيَّين بثابتته من دون أن يتزحزح عنها: لا الدولة اللبنانية لئلّا تنهار سمعتها والثقة بها قادرة على التراجع عن مطلب حصر السلاح في يدها بعد التزامَيْن قدّمتهما للمجتمع الدولي في خطاب القسم أمام سفرائه في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ثمّ في البيان الوزاريّ لحكومة الرئيس نوّاف سلام، ولا “الحزب” يريد التخلّي عن سلاحه على الرغم من تيقّنه من فقدان قدرته منذ 27 تشرين الثاني الفائت على استخدامه بعد تداعيات الحرب غير المتكافئة بينه وبين إسرائيل.

بمقدار ما يبدو مفهوماً ومبرَّراً إدلاء السلطة اللبنانية بمفهومها لاستعادة سيادتها على أراضيها، ومن ضمنها حصر السلاح في يدها وحدها ومنع وجود ميليشيات لبنانية وغير لبنانية، فإنّ لـ”الحزب” من الحجج ما يقدّمه كي يصرّ على تشبّثه بآلته العسكرية ورفض حلّها. على الأقلّ في ما يُسمع في الأوساط الوثيقة الصلة به.تفويض برّي وإغلاق الأبواب

1- على الرغم من إصرار “الحزب” على تفويض رئيس البرلمان نبيه برّي التفاوض باسمه مع الطرف الأميركي، بيد أنّه أغلق في المقابل الأبواب دونه، وضيّق عليه المناورة عندما أبلغ إليه رفضه المطلق ورقة المطالب الأميركية، وعدّها “ورقة استسلام” لا ورقة تفاوض، وبالتالي من غير المتوقّع القبول بها. إضافة إلى، وهو ما عزّز حجّة “الحزب”، قول الموفد الأميركي إبّان جولاته على المسؤولين اللبنانيين أن لا ضمانات مسبقة تقدّمها إسرائيل للبنان، في إشارة صريحة إلى إعادة ترتيب الأولويّات بما يتجاوز اتّفاق وقف النار ومحتوى القرار 1701 في تشرين الثاني الماضي: تجريد “الحزب” أوّلاً وأخيراً من سلاحه، وهو ما يفترض أن لا تفكير حاليّاً في انسحاب اسرائيل من النقاط الخمس التي تحتلّها في الجنوب، ولا وقف لاعتداءاتها اليوميّة والاغتيالات.

تقدُّم ولكن

2- مراقبة “الحزب” بكثير من القلق آليّة مصادرة الجيش اللبناني أسلحته في الجنوب على نحو يَمنع الجيش من الاحتفاظ بها ويُرغمه على تفجيرها للفور بإصرار أميركي ـ إسرائيلي تبعاً لمعادلة تجريد “الحزب” منها دونما انتقالها إلى يد الجيش تفادياً لتحوّلها خطراً جديداً على الجانب الآخر من الحدود.

أحد أبرز شواهد هذه المعادلة حوار مقتضب دار بين السفيرة الأميركية في بيروت ونظيرها التركي في عشاء لدى أصدقاء مشتركين حينما سألها عمّا آلت إليه جهود واشنطن لتجريد “الحزب” من سلاحه، فأجابته أنّ ثمّة تقدّماً، لكنّ المشكلة تكمن أحياناً في عدم توافر موادّ تفجير بعض الأسلحة في لبنان ويحتاج الإتيان بها من الولايات المتّحدة إلى بعض الوقت. انتهى حوارهما بتعهّده مدّ لبنان بالمتفجّرات من تركيا، وجيء بها بالفعل.

ما لا ينكره “الحزب” أنّه خسر حرب الصواريخ مع إسرائيل، وتيقّن من عدم جدواها وفاعليّتها ما إن استبدلتها الدولة العبرية بالسلاح السيبراني والمسيّرات. إلّا أنّ ما يجزم به في الجدل الدائر حول صواريخه أنّه لن يسلّمها كي يصير إلى تفجيرها تبعاً لشرط الأميركيين والإسرائيليين، كما لو أنّه يسلّمها إليهم.

نقولا ناصيف

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.