تأييد اللّبنانيّين لحكومتهم الأعلى في العالم!
بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
62 في المائة من اللبنانيّين يؤيّدون حكومتهم الجديدة. لم تكن لافتةً هذه النتيجة التي خلص إليها استطلاع مؤسّسة “غالوب” العالميّة للتحليلات والاستشارات التي تشتهر باستطلاعات الرأي العامّ التي تُجريها في العالم، بل كون هذه النسبة هي إحدى أكبر الزيادات السنوية في نسبة التأييد لحكم التي سُجّلت على الإطلاق في استطلاع رأي عالميّ.
يؤكّد التقرير أنّ “حماسة اللبنانيّين تجاه الحكم في بلدهم هي اليوم أشدّ من أيّ وقت مضى في تاريخ استطلاعات غالوب العالمية التي تمتدّ على مدى 20 عاماً، بواقع أنّ الحكومة الجديدة قد بثّت أملاً نادراً لدى العديد من اللبنانيّين، إذ “لطالما كانت نسبة تأييد البالغين اللبنانيّين لقيادتهم من بين النسب الدنيا في العالم، وهو ما كان يعكس الجمود السياسي المستمرّ في البلاد”.
تحوُّل كبير
وفقاً للاستطلاع الذي أجرته المؤسّسة في لبنان بين 5 أيّار و5 حزيران، أيّد نسبة 62% من البالغين اللبنانيّين قيادة بلدهم عند سؤالهم عنها بشكل عامّ، وهو رقم قياسيّ، مقابل 16% في عام 2024. هذا التغيُّر البالغ 46 نقطة مئوية ليس الأكبر في لبنان فحسب، بل هو أيضاً إحدى أكبر الزيادات السنويّة في تأييد القيادة التي سُجِّلت على الإطلاق في استطلاع رأي عالميّ.
يوضح التقرير أنّ الاستطلاع أُجري بعد عدّة أشهر من التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان في خريف العام الماضي، وبعد تشكيل حكومة لبنانيّة جديدة في شباط، وأنّه “يستثني ما يقرب من 10% من السكّان، بما في ذلك عدّة مناطق يصعب الوصول إليها وتخضع لسيطرة “الحزب” الصارمة في جنوب البلاد وسهل البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت”.
بحسب التقرير، تشكّل الشعبيّة النسبيّة للمسؤولين الحاكمين في لبنان تحوُّلاً كبيراً عن الفترة من عام 2019 إلى عام 2024، وهي الفترة التي كان فيها معظم اللبنانيّين (بين 70% و81%) غير راضين عن قيادة بلدهم. شهدت تلك الفترة الصعبة، التي اتّسمت بالانهيار الاقتصادي والحرب مع إسرائيل، انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي هو كارثة كان من الممكن تجنّبها وأسفرت عن مقتل 218 شخصاً على الأقلّ وتدمير واسع النطاق لوسط بيروت، ولم يُحاسَب عليها أيّ مسؤول حتّى الآن.
قِيس في سؤال منفصل في الاستطلاع مستوى تأييد الرئيس جوزف عون تحديداً، فبلغت نسبة تأييد قائد الجيش السابق 81%، وهي أعلى نسبة سجّلتها “غالوب” على الإطلاق لزعيمٍ لبنانيّ. وبالمثل، يحظى رئيس الوزراء نوّاف سلام، الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية، بتأييد أغلبيّة اللبنانيّين (56% موافقون مقابل 36% معارضين)، ويعتبره الكثير منهم إصلاحيّاً.
ثقة بالحكومة والانتخابات
وفقاً للتقرير، يقول ما يقرب من نصف اللبنانيّين (48%) الآن إنّهم يثقون بالحكومة الوطنيّة، وهي نسبة لم تتجاوز 12% منذ عام 2020. وشهدت المواقف تجاه المؤسّسات الرئيسة الأخرى مستوياتٍ متفاوتةً من التحسّن في عام 2025، بما في ذلك الثقة بالنظام التعليمي في البلاد (67% ارتفاعاً من 49% في عام 2024) والنظام القضائي (28% ارتفاعاً من 21% في عام 2024).
من اللافت للنظر، بالنسبة لمحلّلي الاستطلاع، أنّ الثقة بنزاهة الانتخابات اللبنانية قفزت إلى 45%، مقارنةً بـ 17% العام الماضي. ويأتي ذلك فيما تولّى رئيس أو رئيس وزراء لبناني منصبه دون تدخّل سوريّ للمرّة الأولى منذ سبعينيّات القرن الماضي. وتسعى الحكومة الجديدة جاهدةً إلى ضمان تمكين اللبنانيّين المقيمين في الخارج من التصويت في دوائرهم الانتخابية، وهو ما قد يجعل الانتخابات المحلّية أكثر تنافسيّةً وأقلّ ارتباطاً بالمحسوبيّة.
لكن على الرغم من هذه المواقف المتحسّنة تجاه بعض المؤسّسات، لا يزال اللبنانيون، بحسب نتائج الاستطلاع، متحفّظين تجاه النظام الماليّ في البلاد. يقول 4% فقط من اللبنانيين إنّهم يثقون بالمؤسّسات الماليّة في البلاد، وهو أسوأ أداء في العالم على هذا المقياس. لا يزال حوالي 1.3 مليون وديعة في الحسابات المصرفية اللبنانية مجمّدة أو مقيّدة، في حين يواصل الشركاء الدوليون مثل صندوق النقد الدولي حجب الدعم الماليّ اللازم لإعادة إعمار البلاد إلى أن يتمّ إجراء إصلاحات حاسمة.
تراجع النّظرة إلى الفساد
انخفضت، بحسب التقرير، مدركات الفساد في كلّ من الحكومة اللبنانية وفي قطاع الأعمال الخاصّ إلى أدنى مستوياتها في اتّجاهات “غالوب” على مدى 20 عاماً. وعلى الرغم من أنّ نسبة اللبنانيّين الذين يقولون بوجود فساد واسع النطاق في الحكومة لا تزال مرتفعة، انخفضت إلى 82% من 92% العام الماضي، وهي أقلّ بكثير من المستويات التي سُجّلت في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عندما كان اللبنانيون من بين أكثر الشعوب في العالم التي أبلغت عن مستويات عالية من الفساد الحكوميّ.
يخلص التقرير إلى أنّ “الحكومة الانتقالية في لبنان تواجه تحدّيات هائلة. تشمل الأولويّات إعادة بناء اقتصاد البلاد المنهار، إعادة هيكلة القطاع المصرفيّ واستعادة مستوى من ثقة الجمهور في ظلّ الفساد المتفشّي. الدعم والتمويل الدوليّان اللازمان لتحقيق العديد من هذه الأهداف يشكّلان تحدّياً كافياً، إذ لا يزالان يعتمدان على الجهود المبذولة لنزع سلاح “الحزب” الذي لا يزال يتحدّى الدعوات إلى نزع سلاحه”.
يعتبر التقرير أنّ “ضعف موقف “الحزب” بعد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل أتاح للبلاد فرصة نادرة للتغيير. إذ للمرّة الأولى منذ عقود أصبح لدى البلاد رئيس وحكومة يتمتّعان بالقدرة والرغبة في الدفع نحو إصلاحات طال انتظارها. لكن مع الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في أيّار 2026، قد تكون الفرصة قصيرة الأمد وهشّةً. وفي الوقت الحالي، تُتاح الفرصة للجهات الفاعلة الدوليّة للتعامل مع حكومة تتمتّع بشرعيّة محليّة غير مسبوقة، وهو ما يجعل هذه اللحظة حاسمةً للاستثمار في الشراكات والمشاريع الإنسانية وجهود الإصلاح المؤسّسي”.
إيمان شمص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.