حبيقة “للشرق” المطلوب مبادرة صادقة من الدولة لتسديد الودائع نقداً وبقيمتها الفعلية
خطة معالجة الفجوة المالية: غير شعبوية وشطب34 مليار يهدد حقوق المودعين
كتبت ريتا شمعون
بانتظار معرفة موقف النواب من ” قانون الفجوة المالية” الذي سيحدد نهاية أزمة الودائع، فهم في مواجهة حقيقية على ابواب الانتخابات النيابية ” لا يحسدون عليها، بقبول ما تطرحه اللجنة الثلاثية ( وزيرا المال ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد) من خطة ” غير شعبوية” للتعامل مع الخسائر في القطاع المالي والتي سيتم تحويلها الى مشروع قانون يعرض على الحكومة ثم يحال الى مجلس النواب لإقراره.
والخطة التي لا تزال قيد النقاش، تتضمن شطبا للودائع بقيمة 34 مليار دولار، وتسديدا للمودعين بقيمة 21 مليار دولار على فترات تتراوح بين ثلاث سنوات وخمس سنوات، وتحويل 32 مليار من الودائع الى سندات وأسهم ملكية في المصارف بناء على اختيارالمودع.
في أي حال، وقبل الشروع في إقرار أي خطة لسدّ الفجوة المالية من حق المودع بل من واجب الدولة والمصرف المركزي أن يكشفا عبر التدقيق الجنائي كيف تمّ تبديد أمواله، لأن أي خطة لا تشمل استرجاع هذه الأموال هي ظلم بحق المودعين.
هل ستمرّ الخطة كما هي ؟
يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة، في حديث لجريدة ” الشرق” قائلاً: تشكل أزمة المودعين اليوم ضغطا على السلطات في لبنان، إضافة الى الضغوط الخارجية من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، كما ان هناك تشديد من جميع الاطراف لم نعهده سابقا، على تحمل الدولة لمسؤولياتها في أي حلّ لإعادة الودائع، مستغربا إستبعاد المودع عن اللجنة الثلاثية التي تبحث في الحلّ، مشددا على ان حلّ أزمة الودائع يجب أن تكون من خلال مشاركة الأطراف الأربعة المعنية أي الدولة مع مصرف لبنان كونه الجهة المشرفة على عمل المصارف والمصارف المسؤولة أيضا عن هذه الأزمة، والمودعين الذين ينتظرون خطة تنصفهم وتحافظ على ما تبقى من أموالهم في المصارف اللبنانية.
ووفق حبيقة، فإن الفجوة المالية هي الفارق بين التزامات الدولة ومصرف لبنان والمصارف وبين الأصول المتاحة فعليا لتغطية هذا العجز، وتحتسب على الشكل التالي: ( الودائع والدين العام والإلتزامات بالعملات الأجنبية) إحتياطي مصرف لبنان وموجودات المصارف، وأصول الدولة.
وأضاف حبيقة، بحسب الأرقام الرسمية، بلغت الفجوة المالية حتى نهاية عام 2022 نحو 72 مليار دولار، مع استمرار الجدل بشأن تقييم هذه الأرقام، ويعزى هذا العجز بشكل رئيسي الى استخدام مصرف لبنان الدولارات لدعم الليرة، وتمويل الدولة وتغطية عجزالكهرباء، والسياسات المالية والهندسات المالية، مضيفا: أن المستفيد الفعلي من هذا الانفاق النقدي، هو الأطراف الثلاثة : الدولة والمركزي والمصارف.
واعتبر حبيقة، أن المودع لا يتحمّل أي مسؤولية في ما حدث، وأن الأطراف الثلاثة هي من يجب عليها تحمل الأعباء، مشيرا الى أن مصرف لبنان يملك في إطار ما يسمى حساب الموجودات السائلة نحو 10,35 مليارات دولار منها نحو ملياري دولار إحتياطات حرّة جمعها في المدة الأخيرة، ومنها ما يصنّف ضمن الاحتياطات بالعملة الاجنبية، ومجموع هذه الحسابات النقدية لدى المصارف ومصرف لبنان لا يعوّض لبنان الديون المقدرة للبنوك بحوالى 80 مليار ” أموال المودعين” .
وشدّد حبيقة، على ضرورة أن ينظم المودعون صفوفهم ويعبروا عن مطالبهم بشكل علمي للبحث عن حلول قابلة للتنفيذ، ولمواجهة السيناريوهات التي تستهدف شطب أموالهم، ودعا رئاسة الجمهورية الى إعطاء الأولوية للمودعين الذين هم الضحية وتسمية من يمثلهم للمشاركة في إجتماعات اللجنة الثلاثية التي تبحث قضية المودعين لتحصيل حقوقهم ورفض الحلول التي تفرض عليهم بتحمل جزء من العبء من الأزمة المالية.
ويقول، إن الحلّ الواقعي للأزمة لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، فلا يمكن ان يردّ كل الودائع ولكن جزء منها على أساس تعديل التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان 158 و166 حيث اعتبره تصحيحا ضروريا وعادلاً لحاجة المودع الى العيش بالممكن، ذلك، برفع سقوف السحوبات الشهرية للمستفيدين من التعميمين المذكورين من 800 الى 1500 دولار أميركي نقداً، حيث تسمح لأصحاب الودائع دفع بوالص تأمين الطبابة والاستشفاء، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، لافتا الى انه على الأقل، ردّ ربع الودائع في هذه المرحلة للمودعين نقداً، ومشيرا الى أن أي نظام مصرفي في العالم مهما بلغ حجمه ومهما بلغت ملاءته المالية لن يستطيع في وقت واحد إعادة جميع الودائع لجميع مودعيه.
أما مشروع الحكومة سدّ الفجوة المالية بإعطاء المودعين الكبار سندات طويلة الأمد ليس حلّ، فالسندات سيسعرها السوق مثل اليوروبوندز، واللجوء الى احتياطي الذهب كأحد الخيارات المطروحة لحلّ الأزمة ليس حلاً، مؤكدا الرفض القاطع لأي نية أو محاولة لتسييل احتياطي الذهب في المصرف المركزي، خصوصا أن التجربة في لبنان علمتنا بأن هذه الخطوات وغيرها لا تنجح فعلا في ظل الفساد الاداري والمالي في البلاد.
كما أن الحديث عن شطب 34 مليار دولار من أموال المودعين ، أي ما قارب 40% من الودائع، يشكل ضغطا غبر مقبول، ويهدد حقوق المودعين، متسائلاً ما هو الذنب الذي ارتكبه المودع ليحرم تعبه وجنى عمره؟
في اي حال، أن قسما كبيرا من الأرقام والتفاصيل التي ترد في الإعلام في هذه الفترة، ويتم تسويقها على اساس أنها من الثوابت التي تمّ الاتفاق عليها، ليست صحيحة، وفي احسن الأحوال ليست دقيقة.
ويؤكد حبيقة، أن المودعين لا يتحمّلون أي مسؤولية في الأزمة المالية، مضيفا: قبل إعطاء المودعين سندات خزينة، المطلوب إستعادة الثقة بدور لبنان وباقتصاده وبنظامه المالي التي تعزز عودة الناس الى كنف القطاع المصرفي لتودع أموالها فيه بدل تخزينها لدى التجار والمواطنين في منازلهم.
ويضيف، أن استعادة الثقة تتطلب مبادرة صادقة من الدولة والأطراف المعنية تتضمن خطة واضحة لتسديد الودائع نقداً، تعني استعادتها بقيمتها الفعلية، فالثقة المفقودة بين المواطن والدولة لا يمكن استعادتها بالوعود ، بل بخطوات ملموسة تبدأ بإعادة الأموال من دون استثناءات أو سقوف، لأن الثقة لا تستعاد بالوعود بل تبنى بالأفعال.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.