حديث الجمعة – الارادة في الإسلام
بقلم المهندس بسام برغوت
من مكارم الاخلاق في الإسلام خُلُق الإرادة التي تبعث على الفضيلة وتحث على طاعة الحق وتنأى بالمسلم عن صغائر الامور. والإرادة قد تكون سببًا في رفع شأن صاحبها وقد تكون عكس ذلك، بشرط أن ينظر الإِنسان فيما يعمل ويفقه سبيله فيما ينوى.
جائت الإرادة في معجم المعاني الجامع على انها مصدر الفعل أرادَ، وهي العزيمة أو المشيئة، وهي القدرة في التصميم للقيام بالأعمال والتصرفات، وفي الفلسفة يُقصَد بالإرادة أنّها قوة المرء لتحقيق أمر دون آخر، والإرادة هي ترجمة لارادة الفرد سواء للقيام بعمل ما ، أو للامتناع عن القيام به.
ان الإرادة موجودة عند كل انسان، ولكن بدرجات متفاوتة، فقد تكون قوية، وقد تكون ضعيفة في مواجهة الخير أو الشر، وهي تخضع للعوامل الذاتية الداخلية للفرد نفسه، فبيده إضعافها او تقويتها.
والإِرادة بالمعنى الأخلاقي هي الرغبة في عمل الخير، والسعي إليه، والحرص عليه؛ ولذلك قيل: إن الإرادة الخيرّة هي إرادة التقرّب إلى الله تعالى؛ أي إرادة طاعته والامل بثوابه، والله عز وجل لا يأمر إلا بالخير، ولا يدعو إلا إلى الحق لقوله تعالى: « وَاللهُ يَدْعُواْ إِلَىٰ دَارِ السَّلَـٰمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ « (سورة يونس ).
إن المفهوم الشائع للإرادة الذي يتداوله الناس بشكلٍ عام؛ يتمحور حول الجهد الذي يجب بذله من أجل تحقيق أو إنجاز عمل ما، فهي الطاقة التي تدفع نحو الإنجاز، وتعتبر الإرادة قوة من أعظم قوى الإنسان الذاتية، فهو من دونها لا يمكنه أن يقبل على عمل ما أو يُحجم عنه، فهي القوة التي تجعل الفعل يخرج من حيّز المخيلة أو التصوّر إلى التحقيق الفعلي، وحيث إنّ الإقدام على الفعل يتطلب تخيله أولاً، ومن ثم العزم على تحقيقه، ومن ثم بذل الجهد للقيام به وإنجازه، فإن مكونات الإرادة تبدأ بالتخيّل ثم العزم والجهد والمبادرة.
لقد تحدث القرآن في مواطن كثيرة عن إرادة الخير وجعلها من الفضائل التي ينبغي أن يسعى إليها الإِنسان ويحرص عليها، فقال سبحانه وتعالى : «وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» (سورة الأنعام ). فهذا ثناء من الله تعالى على أصحاب الإِرادة المستقيمة. وخص الغداة والعشي بالذكر وهما أول النهار وآخره؛ لأن الانشغال بشؤون الدنيا غالبًا ما يكون خلالهما، ومن كان هذا حاله وقت العمل ، فهو في أوقات الفراغ أكثر عملاً؛ إذ أنه أراد أنهم يدعون ربهم في كل وقت وعَبَّرَ عن الكل بالبداية والنهاية. ولقد أكَّد القرآن ذلك بقول الله تعالى: « وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا « (سورة الكهف).
تكمن طرق زيادة فعالية الإرادة اولاً بتحديد الأهداف وتقسيمها ، بحيث يجب على الفرد أن يقسم أهدافه، وأن يجعل الأهداف الصغيرة في خدمة الأهداف الكبيرة ، ثانياً بتنظيم الوقت ، ثالثاً بتقوية العلاقة مع الاَخرين من خلال كسب أصدقاء جدد، رابعاً تقويم الأداء، بما يعني أن يقوم الشخص بمراجعة ما قام به لمعرفة ما أنجزه ، وفوق ذلك كله امتلاك عنصر التفاؤل.
تكمن تقوية الإرادة فيما يأتي:
1- معرفة النفس وخباياها: أول خطوة يجب أن يقوم بها الانسان لتقوية إرادته هي أن يتعرف على مميزاته الداخلية وطرق تطويرها.
2- تطوير النفس: بعد أن يحدد الانسان نقاط القوة لديه يجب أن ينتقل إلى مرحلة تطوير نفسه في ضوئها بالتدريج .
3- تحديد نقاط القوة: أي أن يقوم الانسان بتسجيل كل مميزاته، وأن يقارنها مع الإنجازات التي حققها، وفي حال شعر بأنه لا يمتلك قدرات مميزة ، عليه أن يغوص في أعماقه، لأنه بالتأكيد سيصل إلى نقطة قوة لديه .
4- تحديد نقاط الضعف : إن كل إنسان يمتلك عيوباً، ولكن الإنسان النّاجح هو من يقر بعيوبه ويعمل على التخلص منها.
5- الاهتمام بكافة مجالات الحياة: يجب على الانسان ألا يحصر اهتمامه بموضوع معين، وإنما عليه الاطلاع والانفتاح على كل ما يحدث في العالم، حتى يتعرف على كل شيء جديد يفيده في تقوية إرادته أثناء التحدث او التعامل مع الاَخرين.
6- الاستعانة بالأصدقاء الذين يُعززون الثقة بالنفس: يجب على الانسان أن يستعين بمن يثق بهم، والذين يقدرون إبداعاته وإمكانياته حتى يزداد إيمانه بقدراته.
7- الجهر بالكلمات التي تحفز النفس على تحقيق النجاح: يجب على الانسان أن يغذي نفسه بما يقوي العزيمة، وأن يبتعد عن العبارات التي يمكن أن تُؤدي إلى الاحباط.
8- التخلص من الطاقة السلبيّة: يجب على الانسان العمل على التخلص من جميع المثبطات للحصول على إرادة قوية.
ختاماً ،
الإرادة ليست كلامًا وادعاء بل هي إعداد واستعداد، لقوله تعالى : «وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوْا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللهُ اَنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوْا مَعَ الْقَـٰعِدِينَ « (سورة التوبة ) ، أي لو أرادوا الخروج معك لردع الكافرين إرادة صحيحة لأعدوا له عدته من الزاد والراحلة ومن التخطيط والاستعداد، وقد كانوا قادرين على ذلك، لأن إرادة الانجاز الكبير تقتضي الاستعداد الجدير به ، ذلك أن الإرادة السليمة تقتضي استغلال الوقت بشكل ايجابي وبناء، لقوله تعالى: « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ اَرَادَ شُكُورًا « (سورة الفرقان ) .
المهندس بسام برغوت