حديث الجمعة – العفة والتعفف في الإسلام

12

بقلم المهندس بسام برغوت

التعفف هو ترك الشيء والتنزه عن طلبه، لعدم القدرة على تملكه، رغم الحاجة اليه، وهذا لا يكون الا بقهر النفس والتغلب عليها.

قال الله تعالى في محكم كتابه : “ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا  وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ” (سورة البقرة ).

يقال عَفّ عن الشيء بمعنى انه كَفّ عنه، والحسبان بمعنى الظن ، بما يعني ان الجاهل بحال اصحاب الحاجة يظنهم أغنياء من أجل تجملهم وتعففهم عن السؤال، أما صاحب البصيرة النافذة فإنه يرحمهم ويعطف عليهم لأنه يعرف ما لا يعرفه غيره عن حالهم وحاجاتهم.

حَرِصَ الإسلام على إقامة مجتمعٍ  تسوده الأخلاق الحسنة، ومن أبرزها التحلّي بِخُلُقِ الِعفَّةِ.

العفّةُ في اللغة تأتي بمعنى الكفّ والامتناع؛ فيقال: كفّ عن الحرام؛ أي امتنع عنه، والعفّة في الاصطلاح الشرعي هي خلقٌ إسلاميٌّ رفيع يفيد ضبط النفس عن الشهوات والملذات، وكفّها عمّا لا يحلّ،وهي حالةٌ وسطٌ بين الإفراط في تلبية شهوات النفس وبين تركها والتفريط فيها ، لقوله تعالى: “وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ” (سورة النساء).

والعفة نوعان: عفة عن المحارم، وعفة عن المآثم والمعاصي، ويندرج تحت هذين النوعين الكثير من التفاصيل والأمور، نذكر بعضها فيما يأتي:

  • عفّة اللسان: كفُّه عن السبّ والشتيمة والغَيبة والنميمة والبهتان والاستهزاء والتنابز بالألقاب وغير ذلك من الكلام المحرّم. فلا يستخدم المؤمن العفيف لسانه إلا في ذكر الله والكلام الطيّب.
  • عفّة الجوارح: أي امتناع العين والأذن واليد عن التعرّض للمحرمات، وهذه تحتاج إلى مغالبة الشهوات وكبح جماح النفس ليتمكّن صاحبها من ضبط جوارحه وعدم استخدامها إلا في الحلال.
  • عفّة الجسد: ستره وعدم إظهار عورته للرجل والمرأة على حدٍّ سواء، وكلٌّ منهما له عورته ويجب الالتزام بسترها.
  • التعفف عن السؤال: والكفّ عن طلب المعونة من الناس عن غير حاجة ضرورية او ملحّة، والاعتقاد بأنّ الله تعالى سيغنيه من فضله؛ لأنّ من يستعفف يُعِفَّه الله، كما ان العفة مطلوبة من المحتاج.
  • التعفف عن أموال الغير: وذلك يكون بالحرص على عدم أخذ أموال الناس بغير حقّ، والتعفّف عن مال اليتيم لمن يرعاه.

من الوسائل التي تعين المسلم على التخلّق بالعفة والتزامها . الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتقواه في السرّ والعلن ، لان التقوى تدفع صاحبها إلى التزام بكل أعمال الخير، وتردعه عن الوقوع في الفواحش. الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بأن يصرف عنه كلّ دواعي الفساد. سعي الإنسان إلى ما يحقق كفايته مما في أيدي الناّس، تنشئة الأبناء على الالتزام بأخلاق الإسلام وتعاليمه، وغرس قيمة العفّة في نفوسهم. إنّ للعفَّة صورًا وأشكالًا متنوِّعةً، من أبرزها: الترفع عمّا في أيدي النّاس، وكفّ الجوارح عن المحرّمات: ويشمل ذلك كفّ البصر عن أعراض الناس، وكفّ الأذن عن سماع ما يدعو إلى الفاحشة أو يشجع عليها، وكفّ اللسان عن التلفّظ  بالقول السيء. كالكذب والغيبة، وكفّ القدم عن السير إلى المحرّمات. كما ان العفّة تشمل كل التصرفات الانسانية التي تتعلق بصون النفس والعرض والشرف، والكفّ عن كلّ قبائح الأفعال، فالعفة تعود على المتخلّق بها وعلى المجتمع  بآثارٍ طيِّبةٍ وفوائد عدَّةٍ، والمتعففون يظلّهم الله في ظله يوم القيامة “يوم لا ظل الا ظله” : “ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ” .كما ان الله تعالى يعين المتعفّف ويسانده. إن في العفة تماسكاً اجتماعياً، وانتشاراً للمحبة بين الناس، ونظافة للمجتمع من الآفات والمآثم، كما ان العفة سببٌ للنجاة من الابتلاءات، وطريقٌ لتفريج الكربات

إن عوامل اكتساب العفة كثيرة ومتنوعة، ومنها: كبح النفس عن شهواتها والتضرّع إلى الله تعالى بالدعاء، مناجاته بصدق وخشوع، الانكسار بين يديه وطلب الحفظ عمّا يؤدي إلى الحرام أو الزلاّت ومجاهدة النفس وتربيتها على الصبر، وتذكيرها بثوابه الايمان بمراقبة الله تعالى واستشعار وجوده الدائم واطّلاعه على كل ما نقول ونفعل. الصوم: فهو سبيل إلى طهرة النفس وتزكيتها وضبط شهواتها. الإكثار من النوافل: التي تقرّب العبد من ربّه وتكسبه محبّته، وبالتالي تعينه على العفّة. تربية الأبناء التربية الصحيحة القائمة على الأسس والمبادئ الشرعية. الزواج؛ فهو باب واسع لعفّة الجوارح وصرف الشهوات في المجال المباح لها. غضّ البصر؛ ففيه إبعاد للنفس عن التعرّض للشهوات والمغريات، وبالتالي حماية الفرج وعفّته عن الحرام. الابتعاد عن أصحاب السوء؛ لأنّهم سبب في تثبيط الهمّة والركون إلى اللهو والعبث والتعرّض للمغريات.

ختاماً،  أن العفة خُلق عظيم لا بد لكل مسلم ومسلمة أن يتحلى بها، وأن يجاهد النفس ويبتعد عن المحرمات والشهوات حتى يصلها إلى تمام العفة وكمالها، والعفة  تعين الإنسان على الالتزام بأوامر الله والابتعاد عن ما نهى عنه. ومن اننا نسأل الله العفة والهدى والتقى والثبات على دين الإسلام الذي يدعو المسلمين إلى العفة ولقد ضرب الله في مريم العذراء في القرآن. واختار نبي الله يوسف السجن ثمناً لالتزامه بعفته رغم الاغراءات الكثيرة ، فقال تعالى: “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” (سورة يوسف ).

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.