حديث الجمعة – اهلاً رمضان

20

بقلم المهندس بسام برغوت

 

يقول الله تعالى في محكم كتابه في شهر رمضان:

«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِد           مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (سورة البقرة) .

 

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان انه :

«هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار» .

 

مع إطلالة  شهر رمضان المبارك الذي ينتظره المسلمون في مشارق الارض ومغاربها  لينعموا ببركاته متقربين من الله تعالى في صلاتهم وقيامهم طوال ايامه المباركة  يحرص الجميع ، كل حسب قدراته ، على فعل الخير ما إستطاع اليه سبيلًا ، وعلى تعزيز صلة الارحام تقربا من الله العلي القدير.

غير ان الضائقة المعيشية التي اجتاحتنا خلال السنوات الفائتة ،  وكانت في اشد حالاتها صعوبة لم تبارحنا بعد بل ازدادت عنفاً ، فرمضان يطل علينا هذا العام ، والضائقة لا تزال مقيمة  بيننا ، تستهدف الجميع دون استثناء وعلى كافة المستويات.

المسلم منا ينتظر شهر رمضان في كل عام على أحر من الجمر، كيف لا وهو المحطة التي يتزود منها ليكمل سيره في باقي شهور السنة، كما أنه شهر الراحة الذي يرفع عن أكتافنا وسوسة الشياطين التي تتصفد فيه، وهو شهر التجلي الذي يدرك فيه المسلم العبادة، ويعرف أنها لا تقتصر على أداء الصلاة والصدقة وقراءة القرآن، بل إنها تشمل كل ذلك إلى جانب التفكر والتأمل الذي يفضي إلى إدراك مدى اتساع العبادة الشاملة لحسن الخلق ولمجاهدة النفس وغيرها الكثير من الأعمال والتحديات التي تعترض المسلم في حياته اليومية.

قد يعتقد البعض اننا قطعنا اشواطاً في مقاومة الضائقة التي تعصف بنا ، واننا عرفنا بالفعل  كيف نتعامل معها, ويذهب بعضنا  الى اكثر من ذلك مؤكدين أننا قد تمكنا منها وانه يمكن ان نعود الى حياتنا الطبيعية ، ولكن الحقيقة هي ان هذا الوضع يزداد سؤاً ويُنذر بوقوع احداث وقد يسبب بكوارث قد نعجز عن مواجهتها لا سمح الله.

يجب على كل مسلم أن يعرف العبادة التي تزيده خشوعًا وطاقة ليتزود منها في رمضان؛ فعلى الرغم من اتفاق المسلم على الكثير من العبادات ، إلا أن كل مسلم يستمد طاقته من عبادة قد تكون مختلفة عن الآخر، فالبعض يمتلئ طاقةً بسماع القرآن ، والبعض يفضل تلاوته، والبعض يجد راحته في الصلاة، والبعض تكون الصدقة بالنسبة له مصدر طاقة ، وهذا ما يجب أن ندركه كي لا نضع قالبًا واحدًا للعبادة في رمضان، وليحقق كل منا أكبر فائدة ويجمع الزاد الذي يحتاجه.

رمضان يشبه حالة العزلة التي كان صلى الله عليه وسلم يعيشها في غار حراء، تلك العزلة الضرورية التي تجعل المسلم يدرك القيمة الحقيقية للأشياء في حياته، ليعرف أن الطعام ما هو إلا مصدر للطاقة، وأن الوقت أثمن من أن نضيعه في أمور لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ليعود المسلم بعد تلك العزلة أكثر قدرة على تنظيم أمور حياته، وبذلك فإنه يستمد القيمة والأثر من شهر رمضان.

يلحظ المسلم نفسه يخرج من رمضان صافي الذهن خالي البال، وقد جمع من الطاقة الكثير ومن الهمة الوفير، ويكون بعد رمضان أكثر همة في أداء العبادات، والالتحاق بركب الطاعات، فنراه أكثر ما يكون حرصًا على السنن ، وعلى التحلي بالأخلاق الحسنة، فقد تزود في رمضان من كل تلك المعاني، وأخذ منها رصيدًا حقيقيًّا يدخره لباقي شهور السنة.

نذكر من فضائل رمضان وخصائصه أنَّ فيه: تكفير الذنوب، فصيامه سبب لغفران الذنوب وتكفيرها، عدا الكبائر التي تحتاج إلى توبة خاصة ، مضاعفة الثواب على كل عمل نقوم فيه، فالعمرة في رمضان مثلاً تعدل حجة في الثواب، ولكنها لا تقوم مقامها ، نزول القرآن الكريم فيه، ومدارسته فيه، فقد اختار الله تعالى شهر رمضان من بين الأشهر كلها لينزل القرآن على سيدنا محمد، وفي رمضان ليلة مباركة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر، ومعنى خير من ألف شهر أنَّ العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ، صلاة التروايح، وهي سنة مؤكدة، كما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف في رمضان، وواظب اصحابه عليها من بعده.

ختاماً ،

لا يكاد رمضان يقترب، حتى يكون المسلم أحوج ما يكون إلى ما يتزود به، وإلى محطة يلقي فيها عن كاهله عناء التعب في السنة كلها، ويتزود منها ما يكفيه ويعيله في باقي السنة، لذلك فإننا نكون أحوج ما نكون إلى رمضان في الوقت الذي يجيء فيه من كل سنة، ونجد أنفسنا في الشهور التي تسبقه أكثر توقًا إليه، وأكبر حاجة للتزود منه، وأقل طاقة لمواجهة الحياة دونه.

إن الضائقة المعيشية التي تجتاحنا  تزداد صعوبة يوماً بعد يوم ونحن جميعا جنودا في معركة القضاء على هذه الضائقة ،وليكن شهر رمضان اضافة الى انه شهرعبادة وتضرع إلى الله، شهر الدفاع عن حق الانسان في الحياة التي وهبها الله له وأثمنه عليها، وان يكون شهر دفع البلاء ، داعين الله ببركة هذا الشهرالكريم ان يديم علينا نعمة الأمن والامان وان يخرجنا من هذه المحنة القاسية،انه على كل شيء قدير ، ذاكرين ومذكرين بقوله جل شأنه في محكم كتابه في فريضة صوم رمضان :

« ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» (سورة البقرة ).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.