حديث الجمعة – قيمة الاحترام في الإسلام

963

بقلم المهندس

بسام برغوت

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا».

الاحترام هو أحد الفضائل والقيم الحميدة التي يلتزم بها الإنسان المسلم، بحيث يقدّم التقدير والاحترام والعناية بالغير، وهذه الفضيلة هي من أهمّ القيم التي أولى الإسلام عنايةً خاصة بها وأعطاها مكانةً كبيرةً.

ظهرت قيمة الاحترام في الاسلام في العديد من المواقف، فقد خاطب الصحابي الجليل  دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ رضي الله عنه هرقل عظيم الروم حين أوفده النبي محمد صلى الله عليه وسلم حاملاً رسالةً يدعو فيها هرقل إلى الاسلام استهلها بقوله: “من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم“، وواضح من ادب المراسلة مخاطبة هرقل بلقبه احتراماً له، كذلك حمل الصحابي عمرو بن أمية الضمري الى النجاشي ملك الحبشة رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي جاء فيها: “من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة“، وهذا يظهر حرص نبينا الكريم على مخاطبتهم بكل إحترام  وإنزالهم، كما غيرهم، منازلهم واحترامهم وتقديرهم.

إنَّ احترام الآخرين له أهمية كبيرة في الإسلام، وقد سنَّ الله عزَّ وجلَّ احترام الآخرين ومعاملة الغير على أُسسٍ واضحةٍ، وبأخلاق رفيعة، فمن فعل ذلك في تعامله مع الغير يُثاب، قال عزَّ وجلَّ في محكم كتابه: “وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً“ (سورة البقرة). والاحترام في الإسلام له أبعاد عدة؛ فمنه أن نتحلَّى بالكلام الطيب، واللّين في معاملة الناس، بل والنصح والتمني للغير بالخير، واقترنت هذه القاعدة بكمال الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ“.

يظهر احترام الآخرين من خلال: معاملة الناس على قدم المساواة، إذ إنّ الانسان الخلوق والمهذب لا يلقى الناس بعدة أوجه مختلفة أو أن يتلوّن في سلوكه، فهو يكرم الجميع ويساعد الجميع ، كما ويحرص على احترام اختيارات الناس واجتهاداتهم وأذواقهم ضمن دائرة المباح.

ينال الانسان احترام الآخرين، بإتباع القواعد التي تُكسبه هذا، وفي الوقت نفسه على الانسان أن يتصرّف مع الناس بطريقة محترمة، وأن يعي جيدًا كل ما قيل من حكم عن الاحترام كي يأخذ منها العبرة وحُسن التصرف، وأهم القواعد لكسب الاحترام ما يأتي: إيمان الشخص بنفسه وثقته العالية بأنّه جدير باحترام الآخرين، لأنّ من لا يحترم نفسه لا يحترمه الناس، التصرف بطريقة لائقة، الاتصاف بمكارم الأخلاق، ومعرفة مهارات التواصل بين الناس. إن معرفة الطريقة الصحيحة لتسويق المهارات الشخصية للانسان وإيصال افكاره المهمة في حياتنا اليومية  توصل الانسان الى مبتغاه وتُسَهل اموره الحياتية.

إن صور الاحترام في الإسلام تبدأ بإحترام الذات:

ϖ ويقصد باحترام الذات احترام الصورة الذهنية التي يمتلكها الإنسان عن نفسه، فقد أكّد الدين الإسلاميّ على ضرورة احترام الذات في مواضع كثيرة منها تحريم ارتكاب الذنوب، والسيئات والمعاصي التي تقلّل من احترام الشخص لذاته .

ϖ احترام الوالدين والاقربين فقد أكّد الإسلام على ضرورة احترام الوالدين والاقربين والإحسان إليهم والاعتناء بهم، وبرهّم، ومن ذلك قوله تعالى في محكم كتابه: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “ (سورة الإسراء).

ϖ احترام المرأة فقد جاء الإسلام لدحض كلّ العادات والتقاليد التي كانت شائعة عن المرأة في الجاهلية بالادعاء أنّها مخلوقٌ لا قيمة له، ليكرّمها  ويعطيها كافة حقوقها ،واولها الاحترام ،وأكدّ في العديد من النصوص والتعاليم على ضرورة معاملتها أحسن معاملة، واتباع أسلوبِ الرفق والحب معها واحترامها في اي موقع كانت.

ϖ احترام المجتمع ومن ذلك احترام الصغير، والكبير، واحترام الجماعات من الناس على اختلاف الوانها واجناسها وثقافاتها ومن صور احترام المجتمع  تحريم الغيبة، والنميمة، والهمز، واللمز وكلّ ما من شأنه تمزيق أوصال المجتمع وترابطه، فقد جاء في الحديث الشريف: “ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا ، ويرحمْ صغيرَنا ! ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ“.

ϖ احترام العلماء والولاة  رفع الإسلام قدر العلماء وأصحاب الفضل وأمر باحترامهم وتقديرهم، وإجلال العلم وحامله، ومهابته، وكذلك احترام ولاة الامر الذين يتولون الامور العامة والحياتية، فقد جاء في الحديث: “إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنهُ، وإِكْرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ”.

ϖ احترام غير المسلمين  كما وامرنا الله باحترام غير المسلمين وذلك من خلال احترام إنسانيتهم وآدميتهم، وكذلك احترام عقيدتهم ودينهم على قاعدة لكم دينكم ولي دين وعدم الاعتداء عليهم او على ممتلكاتهم ومعابدهم.

ختاماً، أوجبت الشريعة الاسلامية احترام المسلم لأخيه المسلم، وقد دلت نصوص الوحي من الكتاب والسنة على ذلك، فقد جاء في الحديث الشريف: “المسلمُ أخو المسلمِ لا يخونُهُ ولا يَكذِبُهُ، ولا يخذلُهُ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ: عِرضُهُ ومالُهُ ودمُهُ. التَّقوَى ههُنا. بِحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحتقِرَ أخاهُ المسلمَ” ، كذلك اوجبت الشريعة احترام الانسان وكل انسان. فالقرآن الكريم يقول: «ولقد كرمنا بني آدم» (سورة الإسراء)، ويصف رسول الله صلى الله عليه وسلم “المسلم بأنه من سلم الناس من يده ولسانه“، اي من اي عمل سيء او كلمة سيئة. فالمسلم يحترم الانسان لذاته، ولا يكون احترامه له نابعاً من المظاهر، وبالتالي لا يحتقر أحداً لكونه فقيراً أو لملابسه الرثة، فالمظاهر ليست دليلاً أبداً على ما يحمله الشخص من علم وأدب وايمان، فليس كل من لبس الذهب أو الحرير هو الكريم، فهذا كلّه زائلٌ، ولا يغني شيئاً حين يفقد الإنسان ثقافة الاحترام وشكر النعمة. ثم ان الله ينظر الى قلوب الناس ويحكم على ما فيها وهو وحده علاّم الغيوب.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.