حديث الجمعة _ الإسلام دين السلام

24

المهندس بسام برغوت

أَوْلى الاسلام موضوع السلام أهميَّةً كبيرةً. ان كثير من الايات القرانية، والتي نزلت في بدايات الدعوة في مكة المكرمة، تبين أهميَّة السلام في حياة المسلم ورعاية الإسلام له، فقد جاء في محكم كتابه جل شأنه قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” (سورة البقرة). كما ونهى الإسلام عن الخيانة بالعهد والغدر به، وأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق، حيث قال تعالى: “وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ” (سورة الأنفا )، كما ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاطب امته قائلاً: “يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ”.

يشمل السَّلام مجموعةً من المبادئ والأسس والقوانين التي تنظِّم علاقات الأفراد داخل الدَّولة الواحدة، وعلاقة الدُّول فيما بينها، مما يُنشئ علاقةً قائمةً على الوِّد والاحترام المتبادل، ويُطلق السَّلام في اللّغة على البراءة، وقد جاء الإسلام وجعل هذه المبادئ واضحةً مستقيمةً، تُحافظ على الاستقرار الداخليِّ والخارجيِّ للإنسان، وكان السَّلام بمعناه الاصطلاحي قديماً يُطلق على التَّخلص من النِّزاعات والحروب، لكنَّه ومع تطوُّر العلاقات فيما بين الدُّول وانتهاء الخلافات والحروب فيما بينهم تطوّر مفهوم السَّلام ليشمل الحفاظ على حقوق كلِّ مَن هو في إطار الدَّولة من المسلمين وغيرهم، وإقامة الحرِّيات لكلٍّ منهم، والعدالة وعدم التَّعدي على أحدٍ منهم.

 وللسَّلام في الإسلام مجموعةٌ من المظاهر، نورد منها ما يأتي:

ان السلام اسم من اسماء الله الحسنى، وعليه اسم المسلمون، وهذا أعظمُ مظهرٍ من مظاهر السَّلام، حيث قال تعالى: “ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” (سورة الحج).

ان تحيَّة المسلمين فيما بينهم السَّلام، وختام الصّلاة السَّلام.

ان ليلة القدر التي أنزل الله عز وجل بها القرآن كلُّها سلام، حيث قال تعالى: “سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” (سورة القدر).

ان لقاء الله عزّ وجلّ لعباده يكون بالسَّلام، قال تعالى: “حِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا” (سورة الأحزاب)، وكذلك لقاء الملائكة لعباد الله تعالى الصَّالحين يكون بالسَّلام.

 ان الجنَّة اسمها دار السَّلام، قال تعالى: “ لَهُم دارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِما كانوا يَعمَلونَ” (سورة الأنعام).

انه اسم من الأسماء التي سمّى الله بها نفسه، قال تعالى: “هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ” (سورة الحشر).

وضع الإسلام منهجاً قويماً لتحقيق مبدأ السَّلام من خلال مجموعةٍ من القيم والمبادئ، منها ما يأتي:

العدل بين أفراد المجتمع الذي يؤدِّي إلى سيادة الأمن والاستقرار والسَّلام، قال تعالى: “إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (سورة النساء)، فلا يتميَّز أحدٌ على أحدٍ، والجميع أمام القانون سواء.

السِّلم الاجتماعي الذي يتحقَّق من خلال تصالُح الإنسان مع ذاته، فلا يؤذي نفسه ولا يؤدّي بها إلى المخاطر، وتصالح الإنسان مع الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة المنوَّرة حين آخى بين المهاجرين والأنصار، والتَّصالح السياسي وتجنُّب القتال والاعتداءات.

الإيمان والتّقوى، ممّا يدفع أفراد المجتمع إلى القيام بما عليهم من الواجبات بكلِّ إخلاصٍ وهدوءٍ واستقرارٍ، فيكون المجتمع آمناً مستقراً، حيث قال تعالى: “وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ” (سورة الأعراف).

الالتزام بالمبادئ الإنسانيَّة حال الحرب والقتال؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسعى للصُّلح بجميع الطرق والوسائل، وما كان القتال إلّا الخيار الأخير الذي يلجأ إليه، ولعلَّ أكبر دليلٍ على ذلك هو فتح مكّة الذي كان خالياً من القتال، وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عن أعداء الإسلام.

النهي عن كلِّ ما من شأنه إيذاء المسلمين ونشر الفساد وفقدان الأمن في المجتمع، فحرَّم الإسلام التَّعدي على الآخرين وإيذائهم سواءً باللّسان أو اليد.

حماية الشَّباب من التأثُّر بالغزو الفكري والثقافي الذي يعمل العدو على بثِّه من خلال نشر الأفكار المسمومة حول الدِّين الإسلاميِّ والعلماء المسلمين.

ختاماً،  تَظهر رسالة الإسلام السمحة من خلال تعامله مع الأديان الأخرى على مرِّ العصور والأزمان، كما أنّ العلاقة بين الأمّة الإسلاميّة وغيرها من الأُمم قائمةٌ على السَّلام لا الحرب، ويؤيِّد ذلك الأدلَّة القوليَّة والعمليَّة، ومنها ما ورد من الأدلَّة على العفو والصَّفح العام، مثل قول الله تعالى: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (سورة البقرة)، ومنها ما جاء ليدلَّ على الإحسان، كقوله تعالى: “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (سورة الممتحنة).

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.