حديث الجمعة_”أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”صدق الله العظيم
من أعظم القوى الروحية التي يمتلكها الإنسان هو الإيمان، فهو الطاقة الخفية التي تُوجّه النفس وتبعث فيها الأمل، وتمنحها الصبر عند مواجهة صعوبات الحياة، لتجد في الايمان بالله ملاذًا آمنًا، وسندًا روحيًا لا يتزعزع. فالإيمان ليس مجرد معتقدات جامدة في العقل، بل هو طاقة حية تسري في الجسد والروح، تؤثر في السلوك، وتضبط الانفعالات، هذه الطاقة الإيمانية لا تُقاس بالأدوات المادية، ولا تُرى بالعين المجردة، لكنها تظهر بوضوح في تصرفات المؤمن، في صبره عند البلاء، وفي شكره عند النعمة، وفي صدقه، وكرمه، وتسامحه، وفي قوة عزيمته رغم المحن. فالإيمان بالله يخلق في القلب شعورًا دائمًا بالطمأنينة، إذ يعلم المؤمن أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بعلم الله وحكمته، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذه القناعة تمنح الإنسان راحة نفسية عظيمة تجعله أقوى من أن تهزه تقلبات الحياة.
وقد أثنى الله على المؤمنين الصابرين، فقال في كتابه الكريم: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” (سورة البقرة). هذه الكلمات القليلة التي يقولها المؤمن ليست مجرد عبارات، بل هي تجسيد لطاقة روحية عظيمة، تنبع من إيمانه بحكمة الله وقدره.
وتتجلى طاقة الإيمان كذلك في الثقة بالله وحسن التوكل عليه، فالمؤمن يسعى ويعمل ويخطط بعقل واعٍ وروح مطمئنة، لكنه في الوقت ذاته يعلم أن النتائج بيد الله، فيطمئن قلبه، ويهدأ فكره، فلا يحزن إن خسر، ولا يغتر إن ربح، لأن قلبه متعلق بالله لا بالنتائج.
إن الإيمان لا يمنح الإنسان طاقة التحمل فحسب، بل يمنحه أيضًا دافعًا للعمل والإبداع. فالمؤمن الحق لا يقبع في الزوايا ينتظر الفرج، بل يعمل ويجتهد، ويعتبر العمل عبادة، ويعلم أن الله يحب من العبد أن يتقن عمله، ويرى في إيمانه محركًا لبذل الجهد في إصلاح الأرض وبناء الحضارة وخدمة المجتمع. فطاقة الإيمان هنا تتحول إلى إنتاج وإبداع، لا إلى كسل وخمول كما يظن البعض.
كما أن الإيمان يحرر الإنسان من الخوف والقلق. فكم من الناس يعيشون في رعب دائم من المستقبل، ويخشون الفقر والمرض والموت، لكن المؤمن يدرك أن الله هو الرزاق، وهو الشافي، وهو المتصرف في الأمور كلها، فلا يجزع ولا يخاف، بل يعيش حياته في ظل هذا الإيمان بقلب ثابت. قال الله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (سورة الرعد). إن الطمأنينة هنا ليست حالة وقتية، بل هي نتيجة مباشرة لطاقة الإيمان التي تملأ القلب بالنور والثقة والأمان.
ولا يمكن أن نتحدث عن طاقة الإيمان دون أن نذكر أثرها في العلاقات الإنسانية، فالمؤمن يحمل قلبًا رحيمًا، يحب الخير للناس، ويعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه، ويسامح من أساء إليه، لأنه يعلم أن الأجر عند الله أعظم، وأن ما عند الله خير وأبقى. فالإيمان يُطهّر النفس من الحقد، ويمنحها صفاء يجعلها أقرب إلى السلام الداخلي، وهو ما ينعكس إيجابيًا على المجتمع كله. وفي هذا السياق، نرى أن الإيمان ليس عزلة عن الواقع، بل هو اندماج راقٍ فيه. فالمؤمن لا يعيش في وهم أو مثالية زائفة، بل يدرك صعوبة الحياة، ويعي طبيعة الصراع فيها، لكنه لا يستسلم، بل يُواجه ذلك كله بنفسٍ مطمئنة وروحٍ متوكلة على الله. وهذه الروح العالية هي التي صنعت أبطالًا في التاريخ لم تهزمهم السجون، ولم تُرهبهم السيوف، لأنهم استمدوا طاقاتهم من إيمانهم العميق بالله.
ويكفي أن نتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لنرى كيف أن طاقة الإيمان كانت وقودًا له في دعوته، رغم الأذى والتكذيب والحصار، فقد ثبت، وصبر، وأحسن إلى من أساء، وعفا عمّن ظلمه، وكان يقول: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”. هذه الروح التي تحمل الخير حتى للعدو، لا يمكن أن تنبع إلا من إيمان عظيم. وإذا انتقلنا إلى الجانب العملي، فإن تقوية طاقة الإيمان تحتاج إلى تغذية مستمرة، كما يحتاج الجسد إلى الطعام، فإن الروح تحتاج إلى الذكر، والصلاة، وتلاوة القرآن، والتأمل في خلق الله، ومجالسة الصالحين، والتفكر في نعم الله، ومجاهدة النفس، والإخلاص في العمل. وكلما اقترب الإنسان من الله، زادت طاقته الإيمانية، وكلما ابتعد، خفت تلك الطاقة وضعفت روحه.
ومن الوسائل التي تُقوي طاقة الإيمان، كذلك، الصدقة، ومساعدة الناس، فإن لها أثرًا عظيمًا في بث الراحة في النفس، إذ يشعر الإنسان بسعادة حين يكون سببًا في سعادة الآخرين.
إن طاقة الإيمان لا تُحصى آثارها، فهي مصدر الثقة، والطمأنينة، والتوازن، والتفاؤل، والبذل، والعطاء. وهي التي تُعين على ترك المعاصي، وتُحفز على الطاعات، وتُساعد على تجاوز المحن. وهي التي تجعل الإنسان أقوى من أن تهزمه الدنيا، وأعمق من أن تغره زخارفها، وأسمى من أن يُسقطه الغرور أو الكبر.
ختاماً ، فإن طاقة الإيمان هي الوقود الحقيقي لحياة متوازنة وسعيدة، وهي الحصن الحصين الذي يحفظ الإنسان من القلق والاضطراب، وهي النور الذي يُضيء له الطريق، ويهديه في ظلمات الحياة. ومن أراد أن يعيش حياة مستقرة قوية، فليتقرب إلى الله، وليملأ قلبه إيمانًا، فإن من وجد الله، وجد كل شيء، ومن فاته الله، فاته كل شيء.
المهندس بسام برغوت
 
			 
				
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.