حديث الجمعة_التضحية في الإسلام

3

المهندس بسام برغوت

التضحية خُلقٌ عظيم وقيمة إنسانية سامية، تقوى بها المجتمعات وتترسخ بها فضيلة الإيثار، في العطاء دون انتظار مقابل، وبذل النفس والمال والوقت في خدمة الآخرين لوجه الله. وهذا ما غرسه الإسلام في قلوب أتباعه، ليجردهم من الأنانية، ويعلمهم أن التضحية طريقٌ إلى رضا الله تعالى ورفعة الأمة، يتجلى في العلاقات الإنسانية، والروابط الأسرية، والتعامل مع الناس، بل وفي عبادة المسلم لربه تعالى.

ولقد جسّد النبي وأصحابه الكرام أعظم صور التضحية في تاريخ البشرية، سواء بالمال لنصرة الدعوة، أو بالنفس في ميادين الجهاد، أو بالتضحية بالراحة والوقت في سبيل نشر العلم.

سنتناول في هذا المقال مفهوم التضحية في الإسلام، وأنواعها، ونماذج من حياة النبي وأصحابه، ثم نختم بأهمية غرس هذه القيمة العظيمة في نفوس المسلمين اليوم.

أولاً: مفهوم التضحية في الإسلام

هي التنازل عمّا تحب النفس أو تحتاج إليه من أجل غاية أسمى.

وهي ليست مجرد عمل عابر، بل هي مقياس لصدق الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [سورة التوبة]. فالآية الكريمة توضح أن التضحية بالنفس والمال في سبيل الله هي صفقة رابحة بين العبد وربه، ثمنها الجنة والرضوان.

ثانياً: صور التضحية في الإسلام

التضحية بالنفس :

ضرب الصحابة أروع الأمثلة في هذا الجانب، كالمجاهدين الذين خرجوا مع النبي في بدر وأُحد والخندق وغيرها، حيث كانوا على استعداد لبذل دمائهم وأرواحهم من أجل أن يبقى الإسلام عزيزاً.

التضحية بالمال :

قال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [سورة آل عمران]. وهذا ما فعله الصحابة كأبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قدّم كل ماله لله ورسوله، وعثمان بن عفان رضي الله عنه الذي جهّز جيش العسرة من ماله الخاص.

التضحية بالوقت والراحة:

من أجل العبادة أو العلم أو خدمة الناس. فقد كان النبي يسهر الليالي قائماً بين يدي الله حتى تتورم قدماه، ويخرج في الهواجر الحارة لنشر الدعوة. وكذلك الصحابة والتابعون الذين أفنوا أعمارهم في تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية وخدمة الأمة.

التضحية بالمصالح الشخصية :

قال تعالى مادحاً الأنصار: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [سورة الحشر].

ثالثاً: نماذج من التضحية في حياة الرسول وأصحابه

  1. تضحية الرسول : كان النبي الكريم القدوة العظمى في التضحية. فقد ضحّى براحته وأمنه وماله في سبيل تبليغ الرسالة. عانى من الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات حتى أكل الصحابة ورق الشجر. وهاجر من مكة متحملاً الغربة والآلام ليحفظ الدعوة.
  2. تضحية الصحابة الكرام : أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ضحّى بماله كله في سبيل الله، ورافق النبي في الهجرة معرضاً نفسه للخطر. مصعب بن عمير رضي الله عنه: ترك حياة الغنى والرفاهية ليكون أول سفير للإسلام في المدينة، واستشهد في أحد.

خبيب بن عدي رضي الله عنه: حين صُلب في مكة  المكرمة قال: “ما أحب أن أكون آمناً في أهلي وولدي ورسول الله يُصاب بشوكة”.

رابعاً: التضحية في العبادات والشعائر الإسلامية

حتى في العبادات اليومية، نجد أن التضحية متجذرة في الإسلام:

  1. الصلاة: تضحية بالراحة والوقت، وقطع للشهوات والانشغال بالدنيا.
  2. الصيام: تضحية بلذّة الطعام والشراب من أجل مرضاة الله.
  3. الحج: تضحية بالمال والجهد والسفر الطويل.
  4. الأضحية في العيد: رمز عملي للتضحية، يتذكر به المسلم قصة إبراهيم عليه السلام حين قدّم ابنه إسماعيل قرباناً لله قبل أن يُفدى بذبح عظيم.

خامساً: آثار التضحية في حياة الفرد والمجتمع

  1. على المستوى الفردي
  • تقوية الإيمان بالله واليقين بوعده.
  • تزكية النفس والتخلص من الأنانية وحب الذات.
  • نيل رضا الله والجنة في الآخرة.
  1. على المستوى المجتمعي
  • تقوية روابط الأخوة والتكافل بين المسلمين.
  • تعزيز روح التعاون والعمل الجماعي.
  • بناء مجتمع قوي متماسك قادر على مواجهة التحديات.

سادساً: الحاجة إلى التضحية في واقعنا المعاصر

في زمن كثرت فيه الماديات، وانشغل الناس بأنفسهم، أصبحنا في أمسّ الحاجة لإحياء قيمة التضحية. فالتضحية اليوم قد تكون بتقديم المساعدة للفقراء، أو تخصيص وقت لتعليم الأجيال، أو التنازل عن بعض المكاسب الشخصية لمصلحة المجتمع والأمة. كما أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى التضحية من أبنائها للدفاع عن قضاياها العادلة، ونشر صورتها الصحيحة، ومواجهة التحديات الفكرية والأخلاقية.

ختاماً ،  التضحية في الإسلام ليست مجرد كلمة أو شعار، بل هي مبدأ إيماني وأخلاقي عميق، به قامت الحضارات وازدهرت الأمم. وقد جسّدها النبي وأصحابه بأجمل صورها، فكانت سبباً في انتشار الإسلام وصموده أمام التحديات. وإذا أرادت الأمة الإسلامية اليوم أن تستعيد مكانتها، فلا بد أن تعود إلى هذا المبدأ العظيم، وأن تربي أبناءها على حب العطاء والإيثار، وأن تجعل التضحية منهجاً في حياتها اليومية.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.