حديث الجمعة_ماذا بعد العيدين ؟

31

المهندس بسام برغوت

يمرّ علينا عيد الفطر بعد شهرٍ من الصيام والطاعة، ويأتي عيد الأضحى بعد أيامٍ عشرٍ مباركة عظّمها الله، فنفرح ونُسرّ ونلبس أجمل الثياب، ونُحيي شعائر الله، ونلتقي بالأهل والأحباب. ولكن بعد انقضاء هذه الأيام المباركة، يخطر سؤالٌ مهم في النفس المؤمنة: ماذا بعد العيدين؟ هل نغلق صفحة الطاعة التي فتحناها؟ هل نعود إلى ما كنا عليه من تقصير؟ أم أن العيد كان محطة انطلاقة لحياة جديدة أقرب إلى الله، وأصدق مع النفس والخلق؟

العيد محطة لا نهاية

من أعظم المفاهيم التي يجب أن نغرسها في أنفسنا أن العيد ليس نهاية المطاف، بل هو محطة للانطلاق. فكما أن المسافر يستريح في محطة قصيرة ثم يواصل رحلته، فإن العيد لحظة فرح تُعقبه عزيمةٌ على مواصلة الطريق.

فقد كان السلف الصالح يقولون: “ثواب الحسنة الحسنة بعدها”، بمعنى أن من علامات قبول العمل أن يُتبع بعملٍ صالح آخر، لا أن يُنسى أو يُهجر. فهل كنا بعد العيد أكثر قربًا من الله؟ هل ثبّتنا ما تعلمناه في رمضان أو العشر الأوائل من ذي الحجة؟

الاستمرارية مفتاح القبول

إن الله عز وجل يحب من عباده الاستمرارية والثبات في العمل الصالح، ولو كان قليلاً. ففي الحديث الصحيح: “أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ”. وهنا يكمن الفرق بين من يتعبد موسميًا ومن يجعل الطاعة جزءًا من حياته.

فبعد العيد، ينبغي أن نُقيّم أنفسنا ونضع خطةً عمليةً للاستمرار:

إذا كنا قد ختمنا القرآن الكريم في رمضان، فلنضع لأنفسنا وردًا يوميًا نداوم عليه.

إذا كنا قد صلينا التراويح والقيام، فلنخصص من الليل ركعتين نختمهما بالوتر.

إذا صمنا في رمضان، فصيام الإثنين والخميس أو أيام البيض فرصة للمداومة.

إذا تصدقنا، فلنجعل لنا صدقة أسبوعية، ولو بسيطة.

أثر العيد في الأخلاق

ليس العيد فرحةً عابرة، بل يجب أن يترك أثرًا على سلوكنا وأخلاقنا. من أبرز مظاهر العيد زيارة الأرحام والتسامح، فهل حافظنا على هذه الروح؟ هل واصلنا من كنا قد قطعناهم؟ هل تصالحنا مع من اختلفنا معهم؟ أم كان كل ذلك مؤقتًا؟

بعد العيدين، يجب أن:

نحافظ على صلة الرحم، ولو برسالة أو مكالمة.

نستمر في العفو والصفح، فهو خُلق الأنبياء.

نُحسن إلى جيراننا ومجتمعنا.

نربي أبناءنا على معاني الطاعة والعطاء التي تعلموها في العيد.

العودة بعد الطاعة ليست دائمًا خطأ

كثير من الناس يشعر بالإحباط بعد العيد لأنه يعود إلى بعض الذنوب أو يفتر عن العبادة، ويظن أن ما قام به في رمضان أو ذي الحجة كان بلا قيمة. وهذا خطأ شائع.

فالعودة إلى بعض التقصير لا تعني الفشل، بل تعني أن النفس تحتاج إلى تربية مستمرة. ما يهم هو أن لا نستسلم، وأن نبقى في حالة مجاهدة. قال الله تعالى: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”.

وليس من العيب أن نضعف، لكن العيب أن نيأس من رحمة الله بنا أن باب التوبة مفتوح، وفرص الرجوع إليه كثيرة، فكل لحظة تمرّ هي فرصة جديدة لنبدأ من جديد.

بناء عادة الطاعة

النجاح الحقيقي بعد العيد يكمن في تحويل الطاعة إلى عادة. تمامًا كما نبني عادة الاستيقاظ مبكرًا أو شرب الماء بكثرة، يمكننا أن نبني عادة تلاوة القرآن، أو قيام الليل، أو الدعاء في أوقات معينة.

ابدأ بخطوات صغيرة:

خمس دقائق ذكر بعد كل صلاة – ركعة وتر قبل النوم.

قراءة صفحة واحدة من المصحف صباحًا – دعاء واحد تحفظه وتكرره – وشجّع من حولك.

اجعل الطاعة جماعية، داخل الأسرة أو مع الأصدقاء، فالمجموعة تُعين على الثبات، وتدفع الكسل، وتُعزز روح المنافسة في الخير.

المجتمع بعد العيد

إن أثر العيد لا يقتصر على الفرد، بل ينعكس أيضًا على المجتمع بأسره، فالمجتمعات التي تتربى على قيم التكافل، والتسامح، والطاعة الجماعية، هي مجتمعات أقرب إلى الاستقرار والرحمة.

من بعد العيد، علينا كمجتمع أن نستثمر تلك الروح من خلال:

تنظيم حملات تطوعية أو دعم الفقراء.

استمرار الدروس والمحاضرات الدينية.

التشجيع على العادات الإسلامية الطيبة مثل إفشاء السلام، وبر الوالدين، وحفظ اللسان.

تقديم نماذج إيجابية في الإعلام والسوشيال ميديا عن الثبات بعد المواسم.

لا تكن عبد رمضان ولا عبد موسم

قال بعض السلف: “بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان”. والله جل وعلا هو ربّ الشهور كلها، لا ربّ شهرٍ دون آخر.

فهل نعبد الله فقط في رمضان وننساه بعده؟ هل نحرص على الصلاة والصيام والدعاء فقط في أيام معدودة ثم نهملها؟ إننا بحاجة إلى تجديد نيتنا وتثبيت سلوكنا، وأن نكون عبادًا للرحمن، لا لعبادة موسمية مؤقتة.

ختاماُ ،

العيد فرحةٌ نعم، ولكنه أيضًا اختبار واستمرارية. ما بعد العيدين هو المحكّ الحقيقي. فإن كان رمضان أو العشر الأوائل من ذي الحجة قد غيّر فينا شيئًا، فلنحافظ عليه، ولنحمِهِ من الزوال.

ولا تنسَ أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، فادعُ الله دومًا أن يُثبتك على الطاعة، وأن يُسدد خطاك، وأن يجعل العيد بداية لطريق طويل مليء بالنور والرضا.

فالعبرة ليست كيف نبدأ الطاعة، ولكن كيف نثبت عليها، وكيف نُحسن الخاتمة.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.