حِصار مدروس لـ “حكومة نوّاف” وتحييد بعبدا

28

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

بات الموقف الأميركي أكثر وضوحاً. يُوازن، بشكل تامّ، بين منطِقين أو واقعين لبنانيَّين، مع مهلة غير مفتوحة لحسم وِجهة أحدهما على حساب الآخر. مشهدٌ ضبابيّ، لا يزال يُدار بإشراف إسرائيليّ أمنيّ وعسكريّ، متفلّت من كلّ الضوابط، تجلّت أحد سقوفه المرتفعة أمس من خلال الغارات العنيفة جدّاً التي تعرّض لها البقاع والهرمل “في سياق رسالة إلى الحكومة اللبنانية المسؤولة عن تنفيد الاتّفاق”، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، و”لاستهداف مواقع عسكرية لـ”الحزب” الذي يُخطّط لإعادة بناء قدرات قوّة الرضوان”، وفق مزاعم الجيش الإسرائيلي.

تَجزم مصادر مطّلعة على مسار التواصل اللبناني-الأميركي في شأن ورقة توماس بارّاك والردّ اللبناني عليها، والردّ الأميركي على الردّ، بأنّ “واشنطن لا تزال في بقعة توصيف واقع لن تتأخّر في تبنّي أحد مساراته في غضون أشهر قليلة. وهذا ما سيتبيّن بعد إرسال الجانب اللبناني الردّ، موقع النقاش راهناً بين المقرّات الرئاسية، على ردّ الجانب الاميركي الذي استغرق فعليّاً نحو أسبوع فقط، وتمّ إرساله عبر السفارة الأميركية في بيروت”.

يُسجّل هنا تمايز رئاسي، في شأن مقاربة ملفّ السلاح تُرجِم أخيراً من خلال إعلان الرئيس نبيه برّي، في مقابلة مع موقع “أساس”، بأن “لا علم لديه بمسألة تزامن الإجراءات، أي الخطوة مقابل خطوة، و”الأمر غير وارد عندي”، في الوقت الذي تتمسّك فيه الرئاسة الأولى بهذا المنطق على اعتبار أنّه الأسلم، والأكثر عملانيّة، في سياق التزام مشروع حصر السلاح بيد الدولة.

في المقابل، تضيف المصادر، “هناك منطق مضادّ تتلاقى فيه مصالح الخارج مع أكثريّة لبنانية موصوفة، يُسلّم بأنّ تمنّع الحكومة عن التنفيذ السريع، أو منعها من جانب “الحزب” من إتمام نزع السلاح، سيؤدّي بدوره إلى حرب أهليّة. مقاربتان أميركيّتان، وضعهما بارّاك أمام المسؤولين اللبنانيين، وركّز عليهما في تصريحاته الأخيرة، بعد مغادرته بيروت، تاركاً لـ”الكلام اللبناني” الأخير في الردّ على المسلّمات الأميركية فرصة تنفيذ المطلوب دوليّاً، من دون الوقوع في فخّ الاقتتال الداخلي”.

التّهديد بالحرب الأهليّة

يُنقَل عن أحد المسؤولين الذين التقوا بارّاك أخيراً قوله: “الإدارة الأميركية غير مقتنعة بالمقاربة اللبنانية التي تتحدّث عن الخوف من الحرب الأهليّة، لكن في الوقت نفسه لا أحد في هذه الإدارة يُشجّع على دوّامة الفوضى والحرب الأهلية التي، برأينا، قد تعود إلى الواجهة إذا لم يُسلّم “الحزب” سلاحه، وليس إذا سلّمه. بمطلق الأحوال، فيما لبنان لا يزال يناقش مع المسؤولين الأميركيين آليّة تسليم السلاح، تتكفّل إسرائيل باستكمال مهمّة تجريد “الحزب” من كلّ ترسانته العسكرية”.

المفارقة أنّ تعبير الحرب الأهلية، والتهديد بها، لا يحضر إلّا لدى الجانب الرسمي اللبناني “إذا نُزِع السلاح بالقوّة”، ولدى الأميركيين “إذا لم ينزع هذا السلاح فوراً”، مع حبّة مسك التهديد بـ”الحرب الإسرائيلية الموسّعة ضدّ لبنان”.

ماغرو: ندعم بارّاك

من جهتهم، يتبنّى الفرنسيون مقاربة هادئة وأكثر موضوعيّة وأقلّ انحيازاً عبّر عنها السفير الفرنسي في لبنان إيرفيه ماغرو أمس، خلال إحياء العيد الوطني الفرنسي، حين أعلن أوّل موقف رسمي فرنسي من مسعى الموفد الأميركي توماس بارّاك. إذ قال ماغرو إنّ “على الجميع أن يُدركوا أنّ الزمن تغيّر، ومرحلة جديدة يجب أن تبدأ. نحن ندعم بالكامل الجهود التي يبذلها السفير الأميركي توماس بارّاك، ومصمّمون على العمل معاً من أجل سيادة لبنان واستقراره وإعادة إعماره، ويمكنه أن يعتمد على عزمنا على المساهمة في ذلك”، من دون أن يلوّح بأيّ نوع من التهديد.

تحدّث ماغرو عن “تحدّيات لا تزال كثيرة، من بينها حصر السلاح، مسار الإصلاحات، التجديد لقوات “اليونيفيل” والوضع الإقليمي”، داعياً إلى أن نكون “شديدي اليقظة تجاه التطوّرات في سوريا لتفادي أيّ تأثير سلبي على لبنان، والتحرّك من أجل مواكبة النهوض هناك، والاستفادة من إعادة إعمار سوريا، وإلّا فلبنان سيبقى متفرّجاً على هذا التعافي”. فيما المنطق الأميركي يدعو إلى “اللحاق فوراً بسوريا التي تحقّق تقدّماً ملحوظاً”.

كان لافتاً في كلام ماغرو الإشارة حصراً إلى “مواصلة إسرائيل احتلال خمس نقاط على الأراضي اللبنانية”، في حديثه عن خرق وقف إطلاق النار. ودافع السفير الفرنسي “عن حصيلة ما تمّ إنجازه حتّى الآن في الحكومة، مع أمل أن يكون مجلس النوّاب على قدر التحدّي لمواكبة هذه الإصلاحات”.

جلسة “الفَرم”

اكتمل الجزء الآخر من الصورة أمس من خلال جلسة المساءلة التي طوّقت الحكومة من كلّ الجهات، لكن من دون سقوف عالية، باستثناء تلويح باسيل بطلب حجب الثقة في سياق محاولة حشر معارضي الحكومة، تحديداً “القوّات”، بالزاوية. وفي المقابل، تمّ تحييد رئاسة الجمهورية.

الحكومة معنيّة، برئيسها “المُحاصَر”، بتقديم أدلّة عملانية وميدانية على أجندة تسليم السلاح، وفق مهلة زمنيّة محدّدة، تقول المعلومات إنّها وردت بشكل واضح في ردّ توماس بارّاك الأخير على الردّ اللبناني.

السلطة “المتفرّجة”، كما وصفها باسيل، و”المنزوعة من أيّ خطّة اقتصادية”، كما قال النائب فريد البستاني وتيّار باسيل، وحكومة “رجالاتها” لا يتصدّون ولو بموقف لمن يُهدّد لبنان، كما قال النائب الياس جرادة، وحكومة وزراؤها إضافة إلى النوّاب “ما معهم خبر شي” (بخصوص مسعى بارّاك والردّ عليه)، كما قال النائب جميل السيّد، وحكومة “اللاهيبة التي لم تغيّر شيئاً” في مسألتَي السلاح والإصلاح، كما قال النائب جورج عدوان… هذه الحكومة تضيق الفرص أمامها بشكل كبير في كلّ ما يتعلّق بالملفّات الأساسية المطروحة أمامها.

مرحلة المزايدات الانتخابيّة

تبدو ضغوط الخارج والداخل أكبر من طاقة الحكومة على “التحمّل” على مسافة أقلّ من عشرة أشهر على الانتخابات النيابية سيدخل فيها كلّ تفصيل مرتبط بالإصلاحات أو التعيينات أو ملفّ النزوح السوري أو سحب السلاح أو الملاحقات القضائية أو إعادة الإعمار أو إعادة ترسيم العلاقة مع سوريا… مدار مزايدة متبادلة وسقوف عالية، حتّى في ظلّ المهل الخارجية الضاغطة في شأن السلاح.

فيما اتّسم موقف “الحزب” أمس، والثنائي الشيعي عموماً، باللهجة “الرايقة”، أعاد نائب كتلة “الوفاء للمقاومة” إبراهيم الموسوي أمس إبراز رفض “الحزب” التزام الحكومة اتّفاقاً جديداً، أو ترتيباتٍ جديدة، في وقت لم تنفّذ إسرائيل بنداً واحداً من الاتّفاق الأوّل، إضافة إلى عدم حصول لبنان على الضمانات المطلوبة، “وحتّى ضمانات شكليّة قبلنا بها لم نحصل عليها”. كما فَصَل نائب الحزب علي فياض “بين جنوب الليطاني، حيث التزم الحزب باتفاق وقف إطلاق النار، وبين شمال الليطاني الذي هو أمر سيادي لا شأن لأي دولة به”، معتبراً أن “الولايات المتحدة الاميركية تراجعت بالكامل عن إلتزاماتها، وتركت لبنان مكشوفاً أمام تصعيد عسكري خطير”.

ملاك عقيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.