‏رسائل إلى السياسيين (قواعد في السياسة): ‏الناس أدوات… فلا تحتقرهم

22

الحلقة الرابعة

د. عماد فوزي شُعيبي

ثاني قوائم العمل السياسي الأداتية (instrumentalism): التي ترى كل شيء بما فيه البشر والعقل أداوت لخدمة الواقع والدولة.  

لكن بعض الساسة يبالغون في أداتيّة الممارسة السياسة، إلى حد احتقار البشر أو الأفكار! وهذا خطأ كبير.

ويذهب بعضهم إلى استخدام الأفكار ومنها الايديولوجيا الدينية كأدواتٍ محض في الممارسة السياسية خاصة في مجال التعبئة أو التحريض أو الحرب…

‏ تقسم الأدوات إلى ثلاثة أقسام:

  1. تروس في ماكينة العمل ( Appretus) وهم الأشخاص الذين يعتمد عليهم بشكل أساسي، من الخبرات والكفاءة العالية والأشخاص ذوي المكانة‏، وذوي الياقات البيض. وهم الأشخاص الذين يجب خصّهم بمكانة عالية وتقدير وتشجيع دائمين.
  2. عدّة شغل وصيانة (Tools) لأي عمل سياسي. هؤلاء لهم دور هام في مفاصل العمل السياسي.
  3. عابرون لا يجوز الاستهانة بهم واعتبارهم وكأنهم Tissues؛ لأن كل شخص له قيمة في الحياة، وفي الحياة السياسية بشكل خاص. لا يجوز التقليل من قدرهم.

‏الأداتية لا تعني بأي شكل من الأشكال التقليل من قيمة الناس، إنما التأكيد على دورهم. لذلك فإن القاعدة الأساسية هنا لا يجب التقليل من قدر الناس وأدورهم.

 هنا أهمية الديمقراطية‏؛ لأنها تقرُّ بأهمية الفرد والمجموعات البشرية، بينما الحكم التوتاليتاري والمُوغِل في الترسخ على أساس شرعية القوة، لا يشكل فقط دولة عميقة وازنة كما هو واقع الحال، إنما يشكل في بعض الأحيان دولة متغولة، تحتقر جمهورها.

‏صحيح أن البشر يقسمون في مستويات الذكاء إلى عدة أقسام على المستوى الفردي والجمعيّ، والواقع أن من طبيعة تفكير متوسطي الذكاء (أنهم يمثلون 68،24% من نسبة ذكاء البشر، وضعيفو الذكاء %13،94)، لكن هذا لا يعني احتقار عموم منتمي هذه النسب؛ لأن لهم أدوارًا أساسية في المجتمع وفي الحياة السياسية بناءً على وجودهم نفسه. وبالتالي ينبغي الأخذ بعين الاعتبار دورههم وأهميته، وهذا ليس فقط مطلوبٌ، إنما هو واجب تقتضيه طبيعة الحياة نفسها. ولنأخذ مثالاً محترمًا عن ذلك بأهميته عامل النظافة، فحضوره ودوره قد يتجاوز دور موظف بارز أحياناً، لأن الحياة يمكن أن تستغني (لفترة) عن دور لموظف ما، (نقول لِفترة بهدف إعطاء المثال) لكن لا يمكن العيش لأسبوع دون دور عامل النظافة. فالحياة في المدن والصحة وكل ما يتصل بالمدنية ويرتبط باليوميات بدور عامل النظافة. بمعنى أن جميع الأدوات في المجتمع ذات قيمة، وأن فكرة الأداة لا تعني الاستهانة بالبشر، والنظر إليهم باستعلاء.

‏لذا فإن النصيحة هنا تقول:

لا  تعامل كل مساعديك على أنهم عابرون. يجب الاعتناء بالتروس وعندما يتم استبدالهم يجب أن يتم إكرامهم والمحافظة على مكانتهم.

كما ويجب تقييم عدة الشغل جيداً. وعدم احتقار العابرين؛ لأن قيمتهم كامنة في التفاصيل. والقول الفيصل في الأداتية: يجب إتقان العودة للجمهور في اللحظة التي تتطلب شرعيّة جمعيّة وعدم التأخر بها.

‏ومن قواعد التعامل معهم استخدام الذكاء الوجداني (emotional intelligence)  وهي قواعد إدارة البشر وانفعالاته:

‏فمثلاً عندما يتم الاستماع للآخرين يجب البحث -فعليّاً- عما هو مُفيد في حديثهم، والاستفادة منهم واقعيّاً، والقول لهم إن هذا ما سيحدث، وبعد حدوثه يشار إلى فضلهم، فبعض الناس يحبون الشراكة لا التبعيّة بالضرورة. يجب إقامة شراكتهم بيدك وإلاّ سينتزعونها بأيديهم.

وإذا لم يجد السياسي في ما يقوله الآخرون ما هو مفيد، يجب اختراعه ونسبه إليهم. وهذا ليس فيه مراء، انه أداة للتواصل الجيد!

‏لا يجب الثقة فيمن يقلدنا، ويظهر كصورة بالكربون عنّا. هذا شخص لا يوثق به. وسيتلوّن تماماً مع الآخرين بنفس الطريقة.

‏ويجب قبول الآخرين كما هم. ومساعدتهم على تحقيق ذاتهم والتعبير عنها بلا أيّ قيود. والتذكر أن الناس يختلفون عنا وعن بعضهم البعض، والحياة متنوّعة لأبعد حدّ.

‏ولا يجب إحراج، لا الكبار ولا الصغار، في إظهار أخطائهم وتبيان جهلهم. فقط يجب تبيان أن هنالك رأياً آخر ويمكن اظهاره على أنه قريب من أفكارنا بشكل عام … ذلك أن إبراز الجهل بصورة جافة خطير. فالجهلة يتحولون إلى أعداء بمجرد انكشاف سوأة جهلهم. فالإنسان عدو ما يجهل وعدو من يكشف ضعفه بكشف جهله. فهو يُحب أن يظهر بمظهر الكامل، لأن الكامل هو نقيض وجوده الحقيقي (الناقص، الضعيف).

ولا ينبغي انتقاد أحد بغيابه أمام أحد، إذ سيُنقل النقد محوّراً ومُزاداً عليه من عنديات من نقله ووفقاً لما يضمره، ووفقاً لطبيعة فهمه ودرجتها وسيتم خسارة من تم انتقاده.

وإن اضطررنا لنقد أحد علينا المبالغة أحيانا في مدحه، وليكن النقد في سياق المديح، ويمكن جعل النقد في وسط الحديث، ليكون أوله مديحاً وآخره كذلك. فالعقل البشري يركّز على الذاكرة القريبة فيتذكر آخر القول.

‏ومن العوامل النفسية في التعامل مع البشر: أنه لا ينبغي إحاطة السياسي نفسه بالبائسين واليائسين و المتشائمين، فإنهم يجرونه إلى مواقعهم ويؤثرون على نفسيّته. وفي نفس الوقت لا يجب إحاطة نفسه بالمبالغين في التفاؤل؛ لأنهم قد يمارسون (التفكير الرغبوي wishful thinking)، فيضللونه برسم الحاضر و القادم على أنه زاهٍ. ذلك أن من أخطر الميول العقلية المُضلِّلة الانحياز إلى التشاؤم أو إلى التفاؤل، ففي كلتا الحالتين يكون ثمة إضفاء نفسي زائد وغير واقعي من الشخصية المفردة أو الجمعية على الواقع. وهذا ما يضلل! 

‏ومن نفس قواعد الذكاء الوجداني والانفعالي في إدارة المجموع:

‏الحرص على العمل الجماعي، وتبيان لهم مكانتهم العُليا لديه، وفي كل تفاصيل العمل. وأن يتم صنع منهم جميعاً قادة أومشاركين على نفس السويّة من المساواة ببعضهم البعض بنفس الوقت. وهذا يحتاج إلى ابتكار آلية مُناسبة منها المدح الجماعي الصادق لكل جهد يقدم، إذ قلنا دائماً إن جميع الجهود أدوات ضرورية.

‏يجب أن يكون ثمةَ كرم في كل شيء حتى في الكلمات؛ فالكرم يعطي ميزات عند من يُقدّم لهم.  ولا يجب كسب الآخرين بالفُتات، وخاصة بالاهتمام، والود الانفعالي، فهذا من عقل الشُحّ. اذ سيأتي من يقدم للناس الوفرة فينتقلون بشكل غرائزي لهم.

‏ولا يجب التوهم عدم الحاجة للناس. فالقوة آنيّة ولا تستمر للأبد، مهما أغرت البعض بالاستمرارية أو بالغرور والتكبّر.

‏بكلمة: يجب الاهتمام بالناس كثيراً. يجب إظهار التودّد بشكل صادق وعدم قطعه عمن تلقاه. فالناس تنسى وتنقلب عندما لا يكون الود والشعور مستمرين.

‏وينبغي تجنب الصراعات الشخصيّة مع الآخرين بقطاع العمل السياسي، والتي تأخذ جانباً ذاتياً، فهي لن تسمح للسياسي، ولا للآخر تقديم أي شيء، لأن الأمر سيغدو متصلاً بالشخصنة وهذا لا يتم التفاوض عليه ومعه. فالأساس في العمل السياسي فصل الذات عن الأداة

 لقد قلنا دائما: أن الأدوات لا يجب أن تكون موضع احتقار أو تقليل من قيمتها، فالأداتية صفة للدور، كما تقتضيها النظرية السياسية الواقعية، وليست مسبة!

د. عماد فوزي شُعيبي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.