شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – الاستقالة من المسؤولية

45

يستغرب سفير دولة أوروبية شرقية معتَمَد في لبنان «كلّ ما يُدار على الساحة اللبنانية»، ويصل استغرابه الى حدود الاستنكار عندما يقرأ كلاماً على مسؤولية الخارج في الأزمات المتناسلة عندنا. كان هذا السفير يتحدث أمام بضعة أشخاص جمعهم صديق مشترك الى مائدته، قبل يومين. وكان المدخل الى كلامه المطوّل التعليق على ما أفضى(أو ما لم يُفْضِ) إليه اجتماع النصف الساعة في نيويورك، بين أعضاء اللجنة الخماسية، لاسيما عندما قال أحد المدعوين، وهو وزير في حكومة تصريف الأعمال، إن الدول الاقليمية والبعيدة تتدخّل في شؤوننا وتُسهم بما نحن فيه من انهيار إن لم تكن تتعمّد إيصالنا إليه.

تدخّل السفير، وقد بدا عليه الامتعاض، وقال: ليؤذَن لي أن أخلع الرداء الديبلوماسي وأعلّقه خارج هذه الدار الكريمة. وأضاف: وأنا لا أقبل أن يعلّق اللبنانيون انهيارهم وحالهم المفجعة على مشجب الخارج، قريباً كان أو بعيداً… فهل تظنون أن الدول ليس لها من هَمٍّ سوى أن تبارك استهتاركم بمصالحكم، واختراعكم الأزمات، وتعيين طبقة حاكمة لكم؟ الدول تقدم مصالحها فوق اي اعتبار آخر، وأنتم تقدمون مصالح زعمائكم.

وارتشف السفير الأوروبي الغربي جرعة من كأسه وتمهل ثوانيَ معدودةً قبل أن يكمل: التقيتُ، قبل أسابيع، نائباً لبنانياً يبحث عن مجال الاستثمار في بلدي، وقادنا الحديث الى الوضع اللبناني الداخلي الى حد اعترافه بأنه ينتمي الى زعيم فاسد (لم يُسَمِّ السفير أحداً) وقال لي إنه يعرفه على حقيقته ولكنّه غير قادر على «الطلوع» منه. فهل الدول الخارجية هي المسؤولة عن الفساد المستشري عندكم؟ وهل هي وراء تأليهكم زعماءكم باسم الطائفية؟ وهل هي فرضت عليكم الاختلاف المعيب في ما بينكم من قضية النزوح السوري طوال سنوات حتى وصلتم الى أن تتحوّل هذه القضية الى كارثة مصيرية ووجودية؟ وهل الدول هي التي أكلت ودائعكم؟ وهل هي التي تتحمل تداعيات إهمال بعضكم وتواطؤ بعضكم الآخر في مأساة انفجار المرفأ؟ وهل هي وراء الاهتراء المعيب في الجسم القضائي؟ وهل هي وراء أزمة النفايات؟ أو إنها وراء الولاء للخارج لدى الكثيرين على حساب الولاء للوطن؟(…).

وقبل أن يعتذر عن صراحته «الفجٍة» كما وصفها بنفسه، ختم بالقول: نحن أصدقاء، فأرجو أن يُؤخذ كلامي على أنه نابع من حبي لهذا اللبنان الذي يؤلمني القول إنكم لا تقدّرونه كما يستحق، ويؤلمني أكثر أنكم إذا استمريتم على هذا المنوال ستستيقظون على ضياع أحد أجمل وأهم البلدان قاطبةً، وعندئذ لن ينفعكم الندم.

khalilelkhoury@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.