شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – قضاؤنا والقدَر

34

بكل تواضع ندّعي أن هذه الزاوية من «الشرق» حثّت القضاء اللبناني، منذ ثلاث سنوات ونيّف، في سلسلة مقالات، على أن يأخذ قراره ويحزم أمره، فيبادر الى أن يمسك قراره بيده، فلا يلتفت الى أهل السياسة وأصحاب النفوذ المالي والأمني والميليشيوي الخ… وضربنا مثالاً، طوال مقالات عديدة، بالقضاء الإيطالي الذي ندَبَ بضعة أنفار منه أنفسهم لمواجهة المافيات وارتباطها العضوي بالجماعة السياسية، داخل السلطة وخارجها، ودفع بعضهم الأثمان الغالية، فسقط شهيداً، وطوّبت الكنيسة في الفاتيكان أحدهم قدّيساً، لأنه لم يتخلَّ عن الحق .

وكتبنا، ذات «شروق وغروب» نقول للجسم القضائي عندنا حرفياً، (ولنا فيه أنسباء وأصدقاء ورفاق ممن نُجِلُّ ونقدّر): «يا قضاة لبنان لا تتخلّوا عن دوركم في هذه المرحلة الحاسمة والحسّاسة من تاريخ لبنان، فالأدوار الفارغة مثل الآنية الفارغة، إن لم تملأْها بيدك ملأها الآخرون وحتى الهواء لا يتركها فارغة». ولم نكن نتنبأ عندما كتبنا أيضاً ما نستعيده حرفياً: «اذا لم تتحركوا طوعاً، وبإرادة ذاتية، فستجدون أنفسكم تتحرّكون تحت ضغوط أخشى ما نخشاه أن تكون خارجية».

وكنا ننطلق، في ذلك كلّه، من اقتناعنا بأنه إن لم يكن في هذا الوطن الصغير المعذّب قضاء مستقل حرٌّ فاعل وناشط، فلن تقوم له قيامة …

وفي منأى عن القضايا المطروحة أمام القضاء الداخلي والخارجي، في هذه الأيام، فنحن نثير الموضوع من حيث المبدأ، ويوم بادرنا الى إثارته لم يكن أيٌّ منها مطروحاً، فإننا نقول إن التشظي في الجسم القضائي له تداعيات كارثية على لبنان واللبنانيين.

ونحن نعرف أن هذا الجسم، في معظمه، «رهينة» (عندنا) للجماعة السياسية الفاسدة بكل ما للكلمة من معنى، المعنى المزدوج: إرتهان القضاء وفساد السياسيين. ولكن لا يفوتنا أن نذكّر بأن في بلدان العالم كلها سياسيين فاسدين ولكن ليس بالضرورة أن يكون القضاةُ مرتَهَنين للذين عيّونهم في مواقعهم. ولعله من المفيد أن نذكّر بذلك القاضي الفرنسي رفيع الموقع الذي بعدما انتهى من قسَم اليمين أمام رئيس الجمهورية قال له: حضرة الرئيس، انت تدعو لي بالتوفيق في المَهَمّة الجليلة التي شرّفتني بتكليفي إياها، فأنا أتعهد أمامك بأنني سأكون ناكراً جميلك… والمقصود من  كلام القاضي الكبير واضح وهو أنه لن يستمع الى الرئيس الذي عيّنه ولن يلبي له طلباً …

وأختم هذه العجالة بالقول إننا عرفنا في تاريخ القضاء اللبناني قضاة كثيرين على مثال القاضي الفرنسي .

khalilelkhoury@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.