شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – كأنه كان يقرأ في كتاب حاضرنا

32

كثيراً ما اقتبستُ، في «شروق وغروب»، بعضاً من أفكار العالِم إبن خلدون في «المقدمة» الشهيرة لأنه يُمكن إسقاطها علينا في لبنان وكأن هذا العالم الجليل كان يستشرفنا في عداد أفكاره الاجتماعية الرائدة التي تنم عن فكرٍ ورصانةٍ وقدرةٍ هائلة على التحليل في علم الاجتماع.
أمس، وقفتُ على فقرات من المقدمة ذاتها تداولتها وسائط التواصل الاجتماعي، سيكتشف القارئ أنها تنطبق على واقعنا اللبناني الحالي. كتب إبن خلدون، قبل نحو 700 عام:
«عندما تـكثر الجبايـة تشرف الدولة على النهاية، وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل.. وقارعو الطبول والمتفيهقون (أدعياء المعرفة)..
وقارئو الكفّ والطالع والنازل.. والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون..
تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب.
عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفت صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.. ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً.. وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان.. يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الانتماء.
ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن إلى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب.. والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات.

khalilelkhoury@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.