شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – لن ينزلوا بقِفّةٍ من السماء

43

الديبلوماسي الأوروبي الغربي الذي يعرف لبنان حتى العشق، وهو أقام فيه ردحاً من الزمن، عندما أُسنِدت إليه مَهَمة رفيعة في بلده، حرص على أن يزور بلدنا بين وقت وآخر، بعيداً عن الأضواء والبروتوكول، فيُعلم أصدقاءه سلفاً، ويأتي سائحاً «باحثاً» عن الراحة التي لم يجدها إلا في بلد الأرز، على حدّ قوله. علما أنه أمضى فيه سنتين من فتوّته وشبابه قبل أن يُكلفه رئيس بلده مهمةً ديبلوماسية رفيعة في ربوعنا. ولقد درجتُ على أن أنقُل، في هذه الزاوية، بعضاً من لقائنا شبه الأسبوعي، عبر تقنّية «زوم»، تُبيّن إلى حدٍ ما موقف بلده من التطوّرات اللبنانية، وتعكِس دائماً قلقه، وأحياناً حزنه الكبير، على ما آلت إليه أحوالنا التعِسة.

استهلّ، أمس، لقاءنا بالسؤال الآتي: يا صديقي، ماذا حلّ بكم في لبنان؟ كيف انحدرتم إلى هذه الهاوية سحيقة الأغوار؟ أنتم نجحتم في بناء وطن استثنائي بكل ما للكلمة من معنى! كثيراً ما كانت النيران تحرقكم ولا تلتهمكم، فبأي لعنةٍ وصلتم إلى قاع القاع؟ حتى على الصعيد المالي والاقتصادي كنتم تتدبرون أموركم لدرجة أنكم كنتم بين قلّةٍ من البلدان التي تجاوزت الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وأكثر من ذلك، إنكم تغلّبتم عليها فلم تؤثر في نمط حياتكم والعيش الرغيد الذي كنتم تنعمون به حتى أكثر من بلدانٍ تمتلك، فوق باطن الأرض وتحتها، ثرواتٍ طائلةً؟

طبيعي أن حديثنا تناول دور الطاقم السياسي الذي استباح كل شيء وحلّل كلّ محرَّم من أجل انتفاخ الجيوب على حساب البلاد والعباد. وفي هذه النقطة بالذات، قال لي: أنا أعرف، عن قرب أو عن بعد، معظم أفراد هذا الطاقم السياسي الذي، أسمح لنفسي أن أقول، إنكم ابتُليتم به، ومن لا أعرفه شخصياً أعرف عنه، وثمّة آخرون كنت أعرف آباءهم وأجدادهم… ولا أستغرب أن يحدث على أيدي هؤلاء الذين يتولّون شؤونكم، بين مسؤولين وقياديين، مثل هذا الانهيار، فقط أستغرب غياب الشعب اللبناني عن المشهد، كما استقالته من دوره. وإن هذا قد يكون مفهوماً في الظروف المالية والاقتصادية الضاغطة جداً على الناس. ولكن، ليس ثمة مانعٌ جوهريٌ من أن يتحرّك اللبنانيون، خصوصاً أن السياسيين لن يتبدّلوا، فلا تتوقعوا أن ينزل بدلاؤهم يقفة من السماء.

khalilelkhoury@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.