لماذا ستفشل خُطَّة نتنياهو وسموتريتش

73

المحامي د. إبراهيم العرب

بادئ ذي بدء، لا بدّ من الإشارة إلى أن الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين تشهدان مؤخرًا محاولات تهويد لا مثيل لها، في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة التي يرأسها بنيامين نتنياهو ويتولى وزارة المالية فيها المتطرّف بتسلئيل سموتريتش ووزارة الأمن القومي الإرهابي إيتمار بن غفير، وتأتي خططهم اليوم للقضاء ليس على حركتي حماس والجهاد الفلسطيني فقط، وإنما على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تمهيدًا لتعزيز سيطرتهم الإسرائيلية عليها وإجهاض أي فرصة مستقبلية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة؛ فقد كشف تسجيل صوتي حصلت عليه صحيفة «نيويورك تايمز» منذ فترة وجيزة عن خُطَّة سرية لهذا الغرض، مما أدى إلى طرحها لتساؤلات جادة حول مصير حل الدولتين مستقبلًا.

أولًا: ماهية الخُطَّة السرية التي كُشف الغطاء عنها

في التسجيل الصوتي الذي حصلت عليه صحيفة «نيويورك تايمز» عن الخُطَّة السرية التي وضعها وزير المالية اليميني الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والتي شرح تفاصيلها أثناء لقائه مع مجموعة من المستوطنين في 9 حزيران، أكد سموتريتش أن حكومة نتنياهو منخرطة في خُطَّة لتغيير نظام الحكم في الضفة الغربية لتعزيز السيطرة الإسرائيلية عليها بشكل لا رجوع فيه، وبطريقة لا تسمح باتهامها بضمها رسميًا.

وفي خطابه، وصف سموتريتش الخُطَّة بأنها «درامية للغاية» وأنها تشبه «تغيير الحمض النووي للنظام»، مضيفًا أن الهدف الرئيسي هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية. وقد ظهر بالتسجيل أن سموتريتش وضع خُطَّة واضحة لانتزاع السيطرة على الضفة الغربية بالتدريج من أيدي الجيش الإسرائيلي وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته في وزارة الدفاع، مؤكدًا أنه تم فعلًا نقل بعض السلطات إلى المدنيين، مما يشير إلى تحول تدريجي نحو سيطرة مدنية كاملة على المنطقة.

ثانيًا: تأكيد سموتريتش للخطة الإجرامية بعد فضحها إعلاميًا

بعدما افتضح أمر خُطَّة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في الإعلام الأميركي، لم ينفِ هذا المجرم، أن تكون خطته للسيطرة على الضفة الغربية المحتلة أمرًا سريًا، وإنما ردّ على تقرير صحيفة «نيويورك تايمز» بأن التقرير لم يكشف أسرارًا وأن كل ما يفعله واضحٌ للعيان؛ ومن ثم أكد في منشور له على منصة «إكس» أن الجمهور الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة يدرك جيدًا أن إقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية من شأنه تعريض وجود إسرائيل للخطر، ولذلك فإنه سيحارب بكل قوته خطر إقامة الدولة الفلسطينية من أجل دولة إسرائيل ومواطنيها، وأنه سيواصل عبر صلاحياته تعزيز الأمن وتطوير الاستيطان في الضفة الغربية خلافًا لمقررات الشرعية الدولية.

ثالثًا: تفاصيل خُطَّة سموتريتش لابتلاع الضفة والقضاء على السلطة الفلسطينية

بكل وقاحة، كشف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش النقاب عن خطوات الضم الجارية فعليًا في الضفة الغربية والهادفة إلى جلب مليون مستوطن صهيوني جديد إليها؛ وبحسب الخُطَّة، فإن العمل جارٍ على ضم المنطقة «ج» من خلال سلسلة من الخطوات التي تتم بالدعم الكامل من رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرّف بنيامين نتنياهو. كما تشمل هذه الخطوات السيطرة على كل ما يتعلق بالاستيطان ومنع البناء الفلسطيني في المنطقة «ج»، وشرعنة مئات البؤر الاستيطانية، وتخصيص مبالغ مالية ضخمة لحماية وتطوير المستوطنات.

كذلك، فقد أفاد تقرير صحيفة «الغارديان» أن الجيش الإسرائيلي نقل صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية إلى موظفي الخدمة المدنية المؤيدين للمستوطنين اليهود والعاملين لدى سموتريتش، وذلك لكي يحلّوا مكان السلطة الفلسطينية؛ حيث يعتبر سموتريتش وحلفاؤه أن السيطرة من خلال الإدارة المدنية تشكل وسيلة لتوسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، كما أنها تمهّد لسيطرة الحكومة المركزية الإسرائيلية ووزرائها مباشرةً عليها، مما يقلل من احتمالية فرض ضوابط على توسيع المستوطنات وتطويرها بشكل كبير.

وهكذا فإن الإدارة المدنية، المسؤولة عن التخطيط والبناء في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، التي تمثل 60% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ستكون تحت سيطرة موظفي الخدمة المدنية المؤازرين للمستوطنين ولتوسيع وتطوير الاستيطان. وبالتالي، فإن هذا التطور يعزّز من احتمالية القضاء على السلطة الفلسطينية وينهي دورها في الضفة الغربية ويعقّد أي جهود مستقبلية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

رابعًا: سبب التفرعن الإسرائيلي

تعتبر الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تهديدًا للاستقرار والأمن والسلم الأهلي في المنطقة، خصوصًا في ظل إدراكها لقوة اللوبي الصهيوني الأميركي الذي أمّن لها تمويلًا ماليًا ضخمًا وأسلحة بقيمة 56 مليار دولار وأحدث أنواع طائرات إف 35 وأرسل لحدودها أسطولًا أميركيًا حربيًا وغواصات نووية، وما يزال يمدّها بالسلاح النوعي المجاني رغم إبادتها لمدنيي غزة جماعيًا وملاحقة قادتها جنائيًا، كي تحقق كل غاياتها المرجوّة.

من هذا المنطلق، تدرك إسرائيل جيدًا أن الكونغرس أو الرئيس الأميركي الحالي أو القادم في الانتخابات الجديدة المرتقبة، سيكونون عاجزين عن فرض عقوبات دولية على مسؤولي إسرائيل، وعن التوقف عن استعمال حق النقض في مجلس الأمن لحمايتهم ضد أي قرار أممي ينهي تأثيرهم المزعزع للاستقرار في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

من هنا، فلا عجب أن ترى إسرائيل لا تقيم أي اعتبار لتداعيات ابتلاع الضفة الغربية المحتلة وإنهاء وجود السلطة الفلسطينية فيها؛ لا بل إنها لا تقيم اعتبارًا حتى للقانون الدَّوْليّ الإنساني ولا للمحكمة الجنائية الدولية ولا لمحكمة العدل الدولية ولا حتى لهيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها الذي مزّق فيه المندوب الإسرائيلي ميثاق هيئته أمام جميع الدول الأعضاء، مما يضيف  تعقيدات إلى الوضع الفلسطيني وأمن الشرق الأوسط.

ختامًا، إن مؤامرة سموتريتش بتحويل الضفة الغربية إلى مستوطنات تضاف إلى المستوطنات اليهودية الموجودة فيها، والتي تجاوز عددها 800 ألفًا، سيؤدي إلى اشتعال الضفة الغربية وإلى انتفاضات لا تحمد عقباها، وهذا ما حذّر منه جهازي الموساد والشاباك مؤخرًا، إلا أن نتنياهو وبن غفير وسموتريتش يعيشون في

اللا لا لند، حيث لا يجمعهم سوى الجنون والعته والتكبر، ولا يدركون أنهم يقودون دولتهم المعزولة والمنبوذة نحو الهلاك، لاسيما بعدما اعترفت أغلبية دول العالم بالدولة الفلسطينية وحقها بأن تكون عضوًا مكتمل الصلاحيات في الأمم المتحدة.

وفي النهاية، إن التضحيات الدموية التي قدمها وما يزال يقدمها الشعب الفلسطيني يوميًا، لن تذهب هدرًا، فكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي: «إذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بدّ لليل أن ينجلي ولابدّ للقيد أن ينكسر». وما أدل على ذلك سوى أن خُطَّة سموتريتش الغبية بابتلاع الضفة الغربية، وحكمًا القدس الشرقية، ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحقق لحمة وانصهار بين جميع الفصائل والحركات الفلسطينية المختلفة، والانتصار الحتمي على دولة الإجرام الصهيوني، وهذا ما سيتحقق في القريب العاجل بإذن الله.

د. إبراهيم العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.