لويس حبيقة لـ «الشرق»: موازنة العام 2024 صورية وهي لا ترسم الرؤية الاقتصادية ولا تغيّرات كبيرة لسعر الصرف
كتبت ريتا شمعون:
لم تكشف حكومة تصريف الأعمال عن مؤشرات موازنة العام 2024، وما إذا كانت تتضمن زيادات جديدة في الرسوم والضرائب، لكن بعض المؤشرات السابقة كشفت عن ان مشروع موازنة العام 2024 يتوقع تحقيق إيرادات بقيمة 258,7 تريليون ليرة لبنانية، ما يعادل 2,9 مليار دولار، ونفقات 300,5 تريليون ليرة، ما يعادل 3,3 مليارات دولار، ليصل العجز بذلك الى نحو 41,7 تريليون ليرة، ما يعادل 458 مليون دولار.
في هذا الوقت، جاء بيان فريق صندوق النقد الدولي الذي زار لبنان برئاسة إرنستو راميريز ريغو، ليشير الى انه لا تزال موازنة 2023 تفتقر الى التوقيت والتغطية، وهو لا يعكس بدقة المدى الحقيقي للعجز والتمويل النقدي المرتبط به، ويجب أن تكون موازنة 2024 المقترحة متناسقة مع عملية توحيد سعر الصرف، التي بدأها مصرف لبنان وتجنب المعاملة التفضيلية لبعض دافعي الضرائب على غيرهم، وينبغي أن تتضمن أيضا موارد كافية لإعادة بناء الإدارة الضريبية لتعزيز الإمتثال وتحسين العدالة الضريبية. في الحالة اللبنانية، شهد مشروع موازنة العام 2024 مجموعة كبيرة من التغييرات التي شملت إستحداث ضرائب جديدة، إضافة لاعتماد الدولار كعملة دفع الزامية يتم من خلالها إستيفاء بعض الرسوم. وفي هذا الإطار، أكد الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة في حديث لجريدة «الشرق» أن أرقام موازنة العام 2024 غير دقيقة، وبالتالي لا أرقام حقيقية ، سواء لناحية النفقات والإيرادات وتحتاج الى بعض الوقت للبت بجميع الملاحظات، ووضعها في خانة المسودة. واعتبر حبيقة، أن موازنة 2024 كالعادة لا ترسم الرؤية الإقتصادية والمالية والإجتماعية للحكومة وكيفية ضبط الإنفاق وتحديد الإيرادات، لذا يمكن وصفها بالموازنة الصورية. مضيفا: يعمد مشروع الموازنة الى تغذية خزينة الدولة عبر فرض إيرادات ورسوم على الأشخاص والمؤسسات التي تمتثل ضريبيا، وهذا لن يحدث، في ظل إقفال الدوائر العقارية والنافعة، الأمر الذي يطرح مدى إمكان وزارة المال جباية الضرائب والرسوم، كما أن إدارات الدولة المعنية لا يمكنها إستيفاء رسومها مع توقف الموظفين عن العمل. وقال، إن الأمر الإيجابي بمشروع موازنة العام 2024 هو أن الحكومة تلتزم بالمهل الدستورية لأول مرة منذ زمن طويل، وسيحال الى المجلس النيابي الذي سيقوم بدرسه ومن ثم إقراره عند الموافقة عليه من قبل أغلبية النواب، معتبرا أن تحصيل الدولة اللبنانية بعض الرسوم بالعملات الأجنبية من دون المرور بمصرف لبنان هي خطوة هامة تساهم في الحفاظ على اموال المودعين، ولكن قبل ذلك يتعين على الحكومة القيام بالإصلاحات بدءا من استئصال الفساد على جميع المستويات، مثالا على ذلك شراكة فساد يمارسها موظف فاسد في القطاع العام برشوة من شريكه في القطاع الخاص كلاهما يجنيان أرباحا على حساب الدولة مرورا بتفعيل جباية الكهرباء، وتطبيق قانون السير الذي يدر الكثير من الإيرادات ومكافحة التهريب الضريبي. يضيف حبيقة الى ذلك، مشكلة التهريب التي تهدد إقتصاد لبنان وتساهم في عجز المالية العامة وتقليص الواردات، حيث يتم تهريب أنواع كثيرة من السلع، ما يؤدي الى خسائر فادحة على الإقتصاد اللبناني، من دون أن تنجح السلطات اللبنانية في وضع حدّ لهذه الظاهرة، مؤكدا أن مهمة إستعادة الإنتظام في المالية العامة تتصف بالضرورات الملحة، من إستئصال الفساد الى ضبط التهريب وحلّ مشكلة الإدارة العامة والعودة عن الإضراب العام والمفتوح. وينتقل حبيقة، الى الحديث عن القوانين التي تختص باستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد وهي الأكثر أهمية في ظل واقعنا الحالي، التي يجب أن يكون لها الأولوية، إلا اننا غير مقتنعين بوجود نية لاستردادها. على الرغم من ان مشروع موازنة 2024 لا يزال بحاجة الى دراسة وإقرار من مجلس الوزراء والنواب ليصار الى اعتماده رسميا، ما يعني ان تعديلات كبيرة تدخل على بنوده يسأل حبيقة، هل يجوز دستوريا إصدار الموازنة العامة من دون قطع حساب، لافتا الى أن ما يحصل مخالفة دستورية موصوفة لدرجة أن الإستثناء بعد إقرار قطع الحساب أصبح هو القاعدة، متوقعا أن نسبة الإنفاق ستكون أكبر بكثير من قيمته الحالية في موازنة العام 2024 وهذا يعود الى ارتفاع منسوب الفوضى والعشوائية في إدارة الشأن المالي في الفترة الأخيرة والى النقص في المعلومات التي يجب أن تمتلكها الدولة. وبحسب حبيقة، فإن مشروع موازنة العام 2024 يضع ضغوطا مالية إضافية على المواطنين قد لا يملك اللبنانيون القدرة على مواجهتها في استمرار الأزمة الإقتصادية حتى الذين يتقاضون رواتب بالدولار الأميركي على ضوء ضخامة فواتير الكهرباء والإنترنت التي أضحت مصدر ثقل على اللبنانيين التي ارتفعت أضعاف مقارنة بالوضع المعيشي الصعب. وأكد ان حكومة تصريف الأعمال قدمت مشروع موازنة 2024 بنفقات إجمالية قياسا للإيرادات، بالتالي الشكوك لا تزال قائمة حول مدى قدرة الدولة على السيطرة على العجز بالنظر الى ان جزءا مهما من التحسن الظاهري المحقق في الفترة الأخيرة يعود الى تشاطر الدولة في التلاعب بموسمية النفقات والواردات، وكي أكون صريحا أن نسبة العجز قد تزداد لأسباب عدة: الإنفاق العشوائي، الفساد، النفقات السنوية العادية والمكررة، والمقلق أن هذه النفقات لم تتزامن مع تحسن فعلي في أجور العاملين في القطاع العام، وغالبا ما أعطت الدولة عن قصد أو عن غير قصد أرقاما غير صحيحة. وأضاف: طبعا الدولة تريد زيادة مواردها بعد ان اكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري عدم إقراض الدولة، لكن هل يعقل ان تؤمن هذه الموارد من جيوب الناس، قد لا تبدو واقعية أو يمكن تحصيلها خصوصا في حال لن تتفعل العجلة الإقتصادية كما يجب، وفي حال افتقرت مؤسسات الدولة الى العمل المنتظم، أما في ما خص سعر الصرف، فإن سعر صرف الدولار سيحافظ على استقراره كما توقع حبيقة، لافتا الى زنه في موسم الخريف سيقل معروض الدولار، والسبب برأيه يعود الى تراجع الطلب تماشيا مع تباطؤ الطلب كنتيجة مباشرة لعدم توفر الليرة اللبنانية لشراء الدولار، ولن نشهد بالتالي تغيرات بسعر الصرف.