مصلحة أميركا فوق كل اعتبار

22

كتب عوني الكعكي:
هذا الكلام لم يأتِ من سراب، بل هو حقيقة بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب.. وقد عبّر عن موقفه هذا في مناسبات عدّة.
نبدأ عندما توجه بكلام قاسٍ الى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولم يستحِ منه قائلاً له: «إنّ هذه الحرب التي ورّطت فيها أوروبا وأميركا يجب أن تنتهي»…
وبالعودة الى المواقف التي اتخذها الرئيس ترامب، نرى أنها تضع مصلحة أميركا فوق كل اعتبار. وقد أثبت ذلك في مواقف عدّة. ولا ننسى أنه في أول زيارة لبنيامين نتنياهو لترامب، أعلمه الأخير أن عليه إنهاء حربه في غزة في غضون شهرين، وإلاّ فإنّ ترامب سيعمد الى أمره بإيقاف الحرب على غزة.
في الزيارة الثانية لرئيس مجلس العدو الإسرائيلي نتنياهو الى أميركا ومقابلته مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب لم تكن الزيارة ناجحة، وكان ذلك بتاريخ 4 شباط (فبراير) 2025. حيث طلب نتنياهو من الرئيس دونالد ترامب السماح له بضرب إيران… فلم يوافق الرئيس الأميركي قائلاً له: «إنّ هناك مباحثات تجري مع الإيرانيين، إن الأمور تسير بشكل جيّد.. وقد أعطيتهم فرصة لغاية شهر حزيران».
نتنياهو عاد الى إسرائيل غاضباً.. فلم يكن يتوقع أن يكون هذا هو الموقف من إسرائيل. على كل حال، المعلومات تقول إنّ الرئيس ترامب وجّه لنتنياهو كلاماً قاسياً أقوى وأقسى من الكلام الذي قاله للرئيس الأوكراني في تلك المقابلة الشهيرة.
الاتفاق الذي جرى بين أميركا واليمن في مسقط كان مفاجئاً لكل العالم، وذلك لأنّ الكل كان يتوقع أن لا يتم الاتفاق بينهما، وأنّ قضية ضرب اليمن وتدميره لن تتوقف ولكن يبدو أن الحوثيين ومن ورائهم إيران استطاعوا أن يقنعوا العُمانيين بلعب دور وساطة، يتعهد فيها الحوثيون بعدم التعرّض لأية سفينة في البحر الأحمر… وأنّ الدولة الوحيدة المستثناة هي إسرائيل.
وهذا ما حصل حين أطلق الحوثيون صاروخاً أصاب مطار بن غوريون وعطّل حركة الطيران. وقرّرت بعض الدول عدم استعمال مطار بن غوريون وتأجيل رحلاتها. وفي المقابل، صحيح أن إسرائيل ردّت على الحوثيين بضربها مطار صنعاء بغارة جوّية ودمّرت 3 طائرات كانت في المطار، وضربت وأحرقت محطة توليد الكهرباء وأيضاً دمّرت منشآت عدّة… لكن الحوثيين أصرّوا على ما فعلوه… وأمس أعاد الحوثيون قصف تلّ أبيب ومطار بن غوريون وأحدثوا ذعراً شديداً في إسرائيل بعد فشلهم في اعتراض الصاروخ.
إلى ذلك، تشهد العلاقات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، توتراً متصاعداً في الآونة الأخيرة، وسط خيبة أمل وفتور في التنسيق حول ملفات الشرق الأوسط.
فقد ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الخميس الماضي «إن مقرّبين من ترامب أبلغوا وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بأنّ نتنياهو يتلاعب بالرئيس الأميركي، مشدّدين على أن ترامب لا يكره أكثر من أن يظهر كشخص يتم التلاعب به».
وأضافت الإذاعة: «إن المقرّبين من ترامب أبلغوا ديرمر بأنّ الرئيس الأميركي قرّر قطع الاتصال مع نتنياهو».
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر مقرّبة من ترامب لصحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية، أن الرئيس الأميركي يشعر بإحباط شديد من سلوك نتنياهو، وهو قرّر المضي في تحركاته في المنطقة من دون انتظار تلّ أبيب.
وأشارت المصادر الى أن ترامب يرى في التطبيع مع السعودية فرصة محورية لتحقيق تقدّم إقليمي. غير أن السعوديين يطالبون بخطوات ملموسة من إسرائيل، من بينها إنهاء الحرب في غزة، وطرح «أفق سياسي» يؤدي الى قيام دولة فلسطينية، وهو ما يلقى معارضة شديدة داخل الإئتلاف الحاكم في إسرائيل.
كما عبّر ترامب عن استيائه من تقارير تحدّثت عن محاولة نتنياهو ورجاله، دفع مستشار الأمن القومي الأميركي السابق مايك والتز نحو اتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران. ورغم نفي نتنياهو، إلاّ أن ترامب لم يقتنع بالتبريرات، واعتبر الأمر تجاوزاً غير مقبول.
التباعد في المواقف انعكس أيضاً، في غياب التنسيق بين الطرفين حول إعلان ترامب الأخير، بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، حيث لم تتلقّ إسرائيل أي إحاطة من البيت الأبيض في هذا الشأن، بحسب مسؤولين إسرائيليين.
وعلى ما يبدو، فإنّ قصة جو بايدن، الرئيس الأميركي السابق، مع نتنياهو، تنتقل عدواها الى ترامب. فبايدن كان يظل شهراً كاملاً مقاطعاً نتنياهو ولا يتحدّث معه.
والسؤال الأكثر إلحاحاً: هل ترامب سيتخذ مواقف من نتنياهو غير الإهمال وقطع التواصل؟
من جهة أخرى، فقد قالت شركة «سكاي نيوز عربية» إنّ الثقة بين ترامب ونتنياهو انهارت تماماً. وإذا دققنا بما يحدث، فإننا نتوصل حتماً الى النقاط التالية:
أولاً: العولمة اليوم تتمثل بماكرون وأردوغان ونتنياهو.
ثانياً: ترامب مع «الأمركة»، وهو مستعد للذهاب بعيداً في محاربة العولمة. والسبب -حسب ترامب- أن العولمة تحاول تعطيل خطواته (أي ترامب) وتحركاته وتوريطه في حروب لا يريدها. لذا فقد ذهب للتفاوض مع إيران، وخرج من المأزق مع الحوثيين ببراعة وذكاء من خلال توقيع اتفاق ثنائي بوساطة عُمانية.
ثالثاً: ترامب يريد أن يحقّق إنجازات واضحة وكبيرة. فوجد أن تحقيق هذه الإنجازات قد يأتي عن طريق السعودية والخليج. لذا فإنّ زيارته للسعودية والخليج هدفها، تمكينه من تحقيق ما يطمح إليه وهو إن حدث، فإنّه يُعدّ إنجازاً اقتصادياً كبيراً… لكنّ هذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلاّ بعد وقف الحرب على غزة. ومن هنا يخشى نتنياهو هذا الأمر، وهو سيحاول تعطيل مفاعيل خطة ترامب.
على أي حال، فإنّ المعلومات شبه المؤكدة تشير الى توتر العلاقة بين ترامب ونتنياهو… وأنّ شهر العسل الذي كان موجوداً بينهما، زالت مفاعيله، وسيطر الفتور على العلاقات، ما ينبئ بأن هناك متغيّرات كبرى قد تحدث في المنطقة… بعد زيارة ترامب… فلننتظر.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.