هل للبنان مستقبل؟

69

بقلم مروان اسكندر

 

لقد اصبح من الواضح ان مستقبل لبنان لا يمكن ان يكون مزدهرًا طالما نظام الحكم طائفي غير قادر على تنفيذ الغاء الطائفية الاستهداف الذي اقر في الطائف منذ نهاية عام 1989 وتوقيع اتفاق الطائف من قبل النواب اللبنانيين.

منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم نشهد يوميًا كيف ان الاعتبارات الطائفية تقولب القرارات الرئيسية الحكومية ونجد هنالك اهمال للمؤسسات الناجحة او ابتعاد بعضها عن لبنان من اجل تجاوز عقبات وحدود التفكير الطائفي.

نجاح الدول يرتبط بنجاح مؤسساتها خاصة منها مؤسسات التعليم، والعناية بالبيئة، والمؤسسات الصحية والمعلوماتية وقد حقق لبنان تميزًا في مؤسسات التعليم وفي تكريس التكنولوجيا الاعلامية في وقت ما لم يستمر لاكثر من 15 سنة واليوم مؤسساتنا الناجحة حسب المقاييس الدولية يمكن حصرها بعدد محدود نشير اليه مع اعتذارنا عن اهمال اية اعمال ومؤسسات اخرى اصبح لها موقع في الاقتصاد العالمي والشرق اوسطي.

يمكننا اختصار الاشارة الى المؤسسات الناجحة والتي تؤثر على مستقبل البلد في العقود المقبلة بخمس مؤسسات هي التالية.

شركة طيران الشرق الاوسط والتي انشأها صائب سلام برؤيته المستقبلية ومن ثم اختير لقيادتها الشيخ نجيب علم الدين الذي كان استاذًا للعلوم في الاردن والعراق وصاحب رؤية مستقبلية لتطورات الطيران من الطائرات ذات المراوح الى الطائرات النفاثة، ونذكر ان طيران الشرق الاوسط اختيرت منذ الخمسينات طائرات نفاثة فرنسية وبريطانية وواجهنا خسارة طائرة بريطانية فوق الهند توفي فيها ابن رئيس الطيران المدني، وابن وزير كوراني.

تطور طيران الشرق الاوسط فرض تطوير برامج الدراسات الهندسية المتعلقة بالمحركات النفاثة وانواع الالمنيوم المستخدم في كل نوع من الطائرات، وحيث تعددت محطات الاقلاع والهبوط كان لنا منافع من الاستفادة من التنظيمات البريطانية

والفرنسية وتأسيس مرأب للاصلاح اشرف عليها طلاب الهندسة الميكانيكية من خريجي الجامعة الاميركية.

الجامعة الاميركية والجامعة اليسوعية وكليهما تأسستا منذ اكثر من مئة عام؛ الجامعة الاميركية عام 1866 والجامعة اليسوعية عام ،1875 وقد ساهمت الجامعتان في احتواء الطلاب اللبنانيين، والفلسطينيين، والايرانيين والقبارصة وبالتأكيد المنتسبين من الدول العربية خاصة الكويت والبحرين والسعودية والاردن وتخرجت طبيبات من الجامعة الاميركية منذ عقد الثلاثينات واصبحت الجامعات الاجنبية في لبنان المقياس المطلوب تحقيق ما يماثله في مختلف البلدان العربية.

عقد الخمسينات شهد دوليًا نشاط اوروبا في استعادة دورها في مجالات التصنيع ومن ثم انتقلت قبل نهاية الخمسينات الى تأسيس المشاركات في صناعة الصلب والفحم الحجري ومن بعد وقبل نهاية عقد السبعينات كانت السوق الاوروبية قد شهدت بدايتها باتفاق 6 دول على انشائها.

الدور اللبناني في استضافة التلامذة لم ينحصر في المستوى الجامعي فقط، فمدرسة الشويفات تأسست بزخم ديني من شارل سعد وعقيلته وكانت منذ العشرينات تستقبل الفتيات والفتيان في الصفوف ذاتها وبالتالي اسهمت في تحرير الصبايا من ضرورة التزام المنازل في الشويفات والمناطق القريبة منها.

وحيث ان مدرسة الشويفات تأسست بنفس تعليمي وتطورت زمنيًا بصورة مستمرة حتى عام 1982 واحتلال الشويفات وحتى بيروت من القوات الاسرائيلية وجدت ادارة المدرسة وكانت من قبل العائلة المؤسسة التي انضم اليها استاذ متفوق من عائلة بستاني مصرة على الحفاظ على نشاطات المدرسة فتوسعت آفاق هذه المدرسة، واعتمدت المناهج الدراسية الاميركية وتوسعت خلال 40 سنة لتصبح اكبر مؤسسة تعليمية من نوعها منتشرة ما بين الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، مصر، الامارات العربية ويبلغ عدد تلامذتها حاليًا ال90 الف تلميذ منتشرين عالميًا ملتزمون برنامج متكامل مع تطورات التعليم والتكنولوجيا. ويمكن القول ان مدرسة الشويفات التي اصبح اسمها SABIS (تصغير لاسم سعد وبستاني) اكبر مؤسسة تعليمية انتشرت من لبنان واصبحت الوجه المشرق للكفاءة اللبنانية، ويكفي ان نشير ان SABIS اختيرت

لانجاز مدرسة لابناء موظفي السوق الاوروبية وكان ذلك بعد خوض SABIS منافسة مع مؤسسات دولية.

 

النجاح في مجالات العمل المجدية تجلى ايضًا في نسق وتطور شركة CGM-CMA وهي تعتبر ثاني اكبر شركة نقل بحري في اوروبا وقد تأسست من اولاد رجل اعمال سوري كان قد اسس شركة سفريات باسم رودولف سعادة وشركاه، وتولج بعده الانتقال من سوريا بعد قرارات التأميم الى لبنان ولديه جوني وجاك سعادة وقد تقاسما العمل فانصب نشاط جاك، الذي توفي السنة المنصرمة على تطوير خطوط نقل المنتجات ما بين الصين والشرق الاوسط وقد اصبحت شركة CGM-CMA خامس اكبر شركة في فرنسا ومكاتبها في بيروت تواجه المرفأ وتحتضن خدمات النقل البحري وتطوير برامج المعلوماتية لتفريغ الحاويات وادارة مرفأ بيروت على مستوى الحاويات، ومؤخرًا حققت سبقًا عالميًا بنجاحها في التعاقد على ادارة استقبال وتحميل الحاويات في مرفأ منطقة نيوم على البحر الاحمر في السعودية وبالتالي تكريس فعالية هذه الشركة الفرنسية اللبنانية في تولج ادارة احدث مرفأ على البحر الاحمر، ومستقبلاً بعد اعادة بناء مرفأ بيروت القيام بالدور نفسه.

طبعًا لا يجوز الحديث عن نجاحات لبنانية دولية دون التعرض لمنجزات شركة MUREX وهذه شركة تألفت من ابناء الوزير الراحل ميشال اده وصهرهم ابن الوزير الراحل ايضًا بيار حلو، وهذين الرجلين كانا يتمتعا بالعلم الغزير والانفتاح على النشاطات المفيدة دوليًا.

المعروف عن شركة MUREX انها شركة ذات مكاتب في العواصم الدولية من موسكو، وحتى نيويورك ولندن، وباريس وبكين، وهي مؤسسة ترتكز الى برامج المعلوماتية وتحليل المؤشرات على قوة وضعف العملات وتوجهات الاسواق العالمية، وقد اصبحت تعتبر بين اهم شركات المعلوماتية الاقتصادية والسياسية الى حد ما، ويمكن ان تصبح هذه الشركة اكبر شركة في لبنان لو توافرت في لبنان شبكة اتصالات دولية رفيعة المستوى ومنخفضة الكلفة، واسباب تمنع ادارة MUREX عن تركيز عملها انطلاقًا من لبنان، ارتفاع اكلاف الاتصالات اضعافًا مضاعفة عما تواجهه شركة MUREX في ايرلندا التي توفر ايضًا للشركات تسهيلات ضريبية شجعت العديد من البنوك ومؤسسات الانشاء والتعمير على التمركز في دبلن بدلاً من التوجه الى لبنان.

لقد خسرنا الكثير الكثير من الفرص في لبنان ورغم ذلك استطعنا في السنوات المنقضية من 1980 اعادة اعمار وسط بيروت واستقرار العلاقات الداخلية مع تفاوت الرؤية بين بعض الفئات وكان بإمكاننا تحقيق معدلات نمو مرتفعة لولا حماقة حكومة حسان دياب وكل من اعتبر انها خشبة الخلاص واذا بها تسلب لبنان من هويته كبلد اقتصاد حر ومتطور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.