هوامش – بقلم ميرفت سيوفي – إنسحاب وليس تحرير!
اللبنانيّون جميعاً يصدّقون ويبصمون بالعشرة أنّه كان هناك مقاومة لبنانيّة للاحتلال الإسرائيلي قام الاحتلال السوري بمنعها عام 1984 وجعلها حكراً على “الشيعة” أو بمعنى آخر على “شيعة إيران”، يروي جورج حاوي الذي اغتالته اليد المعروفة في حزيران العام 2005 أنّه “في مطلع عام 1985 أجرى السوريّون اتصالاً بالحزب الشيوعي وطلبوا منه إحاطتهم علماً بالعمليّات (ضد الاحتلال الإسرائيلي) قبل حصولها، حصل تهرّب من الطلب لكنّهم فهموا الرّسالة. ونحن فهمنا الردّ بسرعة [جريدة السفير 13 آب 1998]. ويكمل حاوي برواية أخرى أنّه [في سنتي 1984 و1985 طغى القرار الإقليمي والدّولي على تحويل الصراع كلّياً إلى صراع طائفي” و”كان القرار أنّ المقاومة ليست لبنانيّة عامّة. هي شيعيّة وهي إيرانيّة بعد ذلك” [المستقبل بيروت العدد 149،21 أيلول 1998].
من أطرف ما قد يقرأه لبناني عن مؤتمر السّلام في مدريد عام 1993 والذي أفشلته إيران وسوريا بالتكافل والتضامن، نصّ المحاضرة التي نشرتها جريدة “صدى الولاية” التابعة لـ”الحرس الثوري الايراني” التي ألقاها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله عام 2010 خلال اجتماع مع طلاب لبنانيين يدرسون في حوزات مدينة قُم الإيرانية، روى فيها كيف تعامل حزبه مع مؤتمر مدريد للسّلام وهذا أمرٌ يسهّل علينا إصرار حزب الله إلى اعتبار الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد تحريراً وهو في الحقيقة كان رفضاً لطلبات الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد بخصوص بحيرة طبريّة ـ تبخّر قسم كبير من مياهها ـ وتخلّصاً من العبء اللبناني غير المفيد والمكلف.
قال نصرالله في محاضرته: “لمّا كان إسحاق رابين رئيساً للحكومة الصهيونيّة أراد بعد توقيع اتفاقات “أوسلو” مع الفلسطينيين أن يتم عقد اتفاقات أخرى مع سوريا، فأعدت العدة لذلك واتجهت الأنظار إلى الرئيس السوري حافظ الأسد لعقدها. وحينها اجتمعنا في شورى “حزب الله” ودرسنا أثر هذا الإتفاق على المقاومة الإسلاميّة في لبنان، وقلّبنا الوجوه والخيارات فوجدنا أنّ المقاومة ستقع في مطبّ عظيم وسلبي للغاية وأنه ليس من مصلحتها توقيع هكذا اتفاقات، فتحيّرنا، وكان من عادتي حينما أتحيّر في مثل هذه المواقف الكبرى أن ألجأ إلى السيد القائد علي خامنئي لإستشارته، فعقدت العزم على السفر إلى إيران لهذه الغاية”.
“من المعلوم أن السيد القائد لا يستقبل أحداً من دون موعد محدّد، فلمّا وصلت إلى طهران طلبت عقد لقاء عاجل معه. وعندما دخلت، في الموعد المحدد، ورأيت السيد المرشد استقبلني بكل حفاوة، وأثناء السلام وتبادل القبل قال لي مباشرة: “لن يحدث اتفاق بين سوريا والصهاينة”. فوجئت بإخباري هذا، فأنا لم أطلع أحداً على الامر إلا مجلس شورى “حزب الله”. المهم أن اللقاء انتهى من دون أن أسأله كيف عرف أن الاتفاق لن يحدث، ورجعت إلى لبنان. وبعدها بأيام عدة وردنا خبر مقتل رابين (4 تشرين الثاني عام 1995) على يد صهيوني غير راض عن الإتفاق مع الفلسطينيين لأنه يؤدي إلى سلبيات لن تستفيد منها الدولة الصهيونية، فكان ذلك بمثابة الفرج لنا ولم يحدث اتفاق أبدا بين سوريا واسرائيل إلى الآن”. وتابع نصرالله: “تعجّبت من إخبار السيد لي بهذا الموضوع، وبقي في نفسي وبقيت أتحيّن الفرصة لمعرفة السر، إلى ان جاء اليوم الذي تم فيه اللقاء مع سماحة السيد مرة أخرى وبرفقتي جماعة شورى “حزب الله”. وفي مستهل اللقاء قبلت يد السيد المشلولة وسألته عن قصة لقائي معه قبل سنوات عندما أخبرني عن عدم حدوث إتفاق بين الصهاينة وسوريا، فقال لي سماحته: بعد تواتر الأخبار عن عقد اتفاق بين الصهاينة وسوريا درست المسألة من جوانبها كافة، ووجدت أن نصيب المقاومة الإسلامية من هذا الاتفاق سيكون الخسران. وعندما أحس بأن المشكلة عويصة ولا أجد لها حلاّ أتوجّه إلى الله بالدعاء والتوسل بالامام المهدي في مسجد جمكران الخاص بمحبيه، فتوجهت إلى هذا المسجد ودعوت وتوسلت إلى الله تعالى بحق المهدي أن يفرّج هذه المشكلة العويصة، ولمّا خرجت من المسجد سيطر على نفسي إحساس غريب بأن هذا لن يحدث أبداً بفضل من الله تعالى وببركات المهدي صلوات الله عليه، ولمّا التقيت بك في ذلك اليوم قلت لك إن ذلك لن يحدث أبداً، وهذا ما حصل فعلا”.
كانت هذه أول مرة تكشف فيها جريدة إيرانية مدى العلاقة التي تجمع نصر الله بخامنئي، وعن السر وراء إتخاذ المرشد القرارات في المواقف الكبرى والمحرجة بتداعياتها، إن على لبنان وإيران وغيرهما بعد زيارته مسجد جمكران…
لمن يودّ المراجعة عليه العودة إلى شبكة المعارف الإسلامية www.almaaref.org .
m _ syoufi@hotmail.com