“أبو عدس السّوريّ”: الضّاحية الجنوبيّة مُقابل مُستوطنات الشّمال

31

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

ماذا حدَثَ الأسبوع الماضي في جنوب سوريا؟ ومن يقف خلف إطلاق صواريخ نحوَ الجولان السّوريّ المُحتلّ؟ وما علاقة الصّاروخيْن اللذيْن أُطلقا من ريف درعا بالقصف الذي استهدَفَ ضاحية بيروت الجنوبيّة؟ وهل تحاول إيران إعادة إنتاج “وحدة السّاحات”؟

 لم تمضِ ربع ساعةٍ على إطلاقِ صاروخَيْن من جنوب سوريا ليل الثّلاثاء الماضي نحو الجولان، حتّى نشرت قناة “الجزيرة” خبراً عمّا سمّته “قياديّاً في مجموعة كتائب محمّد الضّيف” يتبنّى إطلاق الصّواريخ.

أعادَت هذه اللحظات إلى الذّاكرة مقطع الفيديو الشّهير للمدعوّ أحمَد أبو عدَس الذي “تبنّى” اغتيال الرّئيس رفيق الحريري سنة 2005، وبُثّ على شاشة “الجزيرة” بعد ساعات قليلة من الاغتيال.

لم تكُن مجموعة “محمّد الضّيف” معروفةً للمراقبين أو المُتابعين للشأن السّوريّ وحتّى الفلسطينيّ. يصفها مرجع أمنيّ إقليميّ بأنّها خلايا نائمة مُرتبطة بأجهزة استخبارات، وليسَت فصيلاً مُسلّحاً قائماً بحدّ ذاته. هذا التّشبيهُ نفسه يُطلقه المرجع على ما يُعرَف بـ”المقاومة الإسلاميّة في سوريا – أولي البأس”.

يجزمُ المرجعُ أنّ القصف الذي طالَ الضّاحية الجنوبيّة لبيروت مساءَ الخميس الماضي يرتبطُ ارتباطاً وثيقاً على الصّعيد الأمنيّ والسّياسيّ والعسكريّ بإطلاق الصّواريخ من جنوب سوريا. إذ كانت العمليّة تحملُ بصمات الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، تماماً كما هي العمليّات التي كانت تستهدف القواعدَ الأميركيّة في العِراق.

هذا الاستنتاج مردّه إلى عدّة أسبابٍ أبرزها:

– زيارة وزير الخارجيّة الإيرانيّ عبّاس عراقتشي لبيروت، وتزامنها مع إطلاق الصّواريخ من سوريا.

– وصول المفاوضات النّوويّة بين إيران والولايات المُتّحدة إلى نقطةٍ بالغة التعقيد، عنوانها “تصفير تخصيب اليورانيوم”، وارتفاع احتماليّة انهيار المُفاوضات.

– كشفُ الأمن العامّ السّوريّ أكثر من مرّة عن إحباطِ محاولات تهريب أسلحة إلى “الحزبِ” في لبنان في منطقة ريف القصير المُحاذية للحدود اللبنانيّة – السّوريّة.

– التّسريبات الإعلاميّة عن محادثاتٍ أمنيّةٍ غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب تحت عنوان خفض التّصعيد وإمساك الوضع الأمنيّ في الجنوب السّوريّ.

– تزامنُ إطلاق الصّواريخ من سوريا مع إطلاق صاروخ باليستيّ من قِبلَ الحوثيّين في اليَمَن نحوَ تل أبيب.

“الضّاحية” مُقابل “الشّمال”

كانَ اللافتُ حجمَ الاستهدافِ الإسرائيليّ للضّاحية الذي طالَ 8 مبانٍ في أوسعِ اعتداءٍ منذ إعلان اتّفاق وقف إطلاق النّار أواخر تشرين الثّاني الماضي. ويُمكنُ قراءةَ المعادلة التي يُريدُ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ووزير دفاعِه إسرائيل كاتس ترسيخها منذ آذار الماضي: “الضّاحية الجنوبيّة مُقابل مستوطنات الشّمال”.

تنظرُ تل أبيب إلى حدودها مع لبنان وحدودها مع سوريا على أنّهما مصدرٌ لخطرٍ واحدٍ اسمهُ إيران. ولذلكَ لم يكُن صدفةً تمسّكها بالبقاء على التّلال الـ5 في جنوب لبنان بالتّزامن مع توسيعها للاحتلال في جنوب سوريا وقِمم جبل الشّيخ.

يُؤدّي هذا إلى استنتاجٍ أنّ تل أبيب أرادَت من غاراتها الـ33 التي استهدفت الضّاحية أن تُرسِّخَ المعادلة الجديدة “الشّمال مُقابل الضّاحية”، بغضّ النّظر عن المنطقة التي أُطلِقتَ منها الصّواريخ، لبنانيّة كانت أم سوريّة.

نسخة جديدة من “وحدة السّاحات”؟

تُحاول إيران أن تُعيدَ إنتاج نظريّة “وحدة السّاحات” بشكلٍ جديد، وأن تجِدَ لنفسها موطئَ قدمٍ على السّاحة السّوريّة تحت عنوان “المقاومة”، في محاولة منها للعودة إلى التشكيل الأمنيّ للمنطقة بعد سلسلة الضّربات التي تلقّتها منذ ما بعد السّابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023 إلى اليوم.

واحدةٌ من الضّربات الأساسيّة التي تعرّضت لها إيران كانَت سقوط نظريّة جنرالها قاسم سُليمانيّ عن “وحدة السّاحات”:

– أُجبِرَت إيران و”الحزبُ” في لبنان على القَبول بمقترح لوقف إطلاق النّار وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة.

– انكفأت الفصائل العراقيّة عن استهداف الدّاخل الإسرائيليّ منذ لحظة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المُتّحدة وانهيار نظام بشّار الأسد.

– سقوط نظام بشّار الأسد ومعه أيّ احتمالٍ ضئيلٍ لإمكان الزّج بجبهة الجولان في أيّ مواجهةٍ إيرانيّة – إسرائيليّة.

اختارت إيران أن تتزامن عمليّات الإطلاق من سوريا واليَمن في وقتٍ واحد. واختارت إيران أيضاً أن تزُجّ باليمَنِ في المُعادلة نفسها بعدما أصدَرَ المتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي إنذاراً بالإخلاءِ لسكّان الضّاحية الجنوبيّة، فأطلقَ الحوثيّون صاروخاً باليستيّاً نحوَ مطار ديفيد بن غوريون مع بدءِ الاستهداف الإسرائيليّ لضاحية بيروت الجنوبيّة.

صيغة سنيّة للصواريخ..

بعد سقوط وفرار بشّار الأسد، ظهَرت مجموعة “أولي البأس” التي زعمَت أنّها لا ترتبط بأيّ محورٍ ولا أيّ جهة إقليميّة، وأنّ مهمّتها الوحيدة هي “مقاومة الاحتلال الإسرائيليّ في جنوب سوريا”. لكنّ قراءةً سريعةً لشعار المجموعة الجديدة تُظهرُ تطابقاً في رسمِ الشّعار بينها وبين سائر الميليشيات المُرتبطة بـ”فيلق القدس” في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ مثل “الحزبِ” في لبنان أو فصائل “فاطميّون” الأفغانيّة، وكتائب “حزب الله العراقيّ”.

إلى ذلك يرتبطُ اسم “أولي البأس” ارتباطاً مباشراً بالاسمِ الذي اختاره “الحزبُ” في لبنان ليُطلقه على العمليّات التي شنّها ضدّ إسرائيل في الحرب الأخيرة على لبنان.

لم يصمُد الاسمُ كثيراً نظراً لوضوح ارتباطه بالحرس الثّوريّ الإيرانيّ، وبدء طهران محادثاتها مع الولايات المُتّحدة، فوقع الاختيار على اسم “كتائب الشّهيد محمّد الضّيف” ليُضفي على المجموعة “صبغة سُنّيّةً” تُبعدُ أصابعَ الاتّهام عن إيران، المُشتبه به الأوّل والأخير في عمليّات إطلاق الصّواريخ.

ابراهيم ريحان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.