أميركا – الصين: هل يتعلّم ترامب من نيكسون؟
بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
ترسم الاختلافات الأميركيّة – الصينيّة حول الرسوم الجمركيّة المتبادلة علامةَ استفهامٍ كبيرة حول مستقبل العلاقات بين الدولتَيْن الكبريين في العالم اقتصاديّاً وعسكريّاً. يختلف هذا الواقع عمّا كان عليه الحال بين الصين وبريطانيا في عام 1750. مع ذلك، تُحاول الولايات المتّحدة برئاسة دونالد ترامب أن تلعبَ دور بريطانيا الأمس، الذي أدّته خلال تجربتها مع الصين أو في الصين. فهل تتعلّم من التاريخ؟!
في ذلك العام أصدر الإمبراطور الصينيّ قراراً بفرض قيودٍ على البضائعِ الأجنبيّة. كان معظم تلك البضائعِ يرِد من بريطانيا بحُكم سيطرتها على معظم شرق آسيا، بما في ذلك شرق الصين.
اعتبرت الحكومة البريطانيّة قرار الإمبراطور معادياً لما يُلحقه من ضررٍ بمصالحِها الاقتصاديّة. زاد الوضع تعقيداً قرارٌ آخر أصدره الإمبراطور في عام 1839 يمنع ترويج المخدّرات وتجارتها في الصين التي كانت تهيمن عليها بريطانيا (من الهند التي كانت تحت سيطرتها في ذلك الوقت). تتشابه الهيمنة البريطانيّة على الهند في ذلك الوقت مع الهيمنة الأميركيّة على تايوان في الوقت الحاضر.
تبادلٌ هائل
لكن بدلاً من تجارة المخدّرات التي فرضت بريطانيا تسويقها وترويجها في الصين، هناك اليوم تجارة “السّيليكون” التي تريد الولايات المتّحدة منعَ تصديرها إلى الصين. ذلك أنّ هذه المادّة هي الأساس في الصناعات الإلكترونيّة الحديثة، وتايوان هي من أهمّ مصادر إنتاج وتصنيع هذه المادّة.
عام 1839 كان الردّ البريطانيّ على طلب الإمبراطور الصينيّ فرض الضرائب، إعلان الحربِ على الصين. ذهب ضحيّة تلك الحرب، التي استمرّت خمس عشرة سنة، ما يزيد على عشرين مليون صينيّ.
من هنا السؤال: كيف سيكون الردّ الأميركيّ على قرار الرئيسِ تشي (الإمبراطور الصينيّ الحاليّ) بفرض رسومٍ على الصادرات الأميركيّة إلى الصين؟
يزيد حجم التجارة المتبادلة بين الصينِ والولاياتِ المتّحدة (استيراداً وتصديراً) على حجم التجارة المتبادلة بين الولايات المتّحدة ودول الحلف الأطلسيّ مجتمعةً (باستثناء تجارة الأسلحة). لذلك، فالاختلاف الصينيّ – الأميركيّ على الرسوم الجمركيّة هو بالنسبة لاقتصاد الدولتَيْن اختلافٌ على المصالح الجوهريّة لكلٍّ منهما.
عندما استفردت بريطانيا بالصين في حرب 1839 لم يكن الاتّحاد الروسيّ دولةً نوويّة، ولم يكن على علاقاتٍ ودّيّةٍ مع الصين (خلافاتٌ حول الحدود). فوق ذلك، لم تكن الصين دولةً نوويّةً كبرى، وكانت تفتقر إلى علاقات تحالفٍ مع جيرانِها نتيجة عزلتها الداخليّة بعد إقفال طريقِ الحرير.
تغيّر الظروف
لم تعد الهند جارة الصين تحت الهيمنة الأميركيّة كما كانت تحت السيطرة البريطانيّة في ذلك الوقت. الآن هناك تحالفٌ صينيّ – روسيّ، وهناك تحالفٌ روسيّ – كوريّ شماليّ. الدول الثلاث قوىً نوويّة. هذا يعني أنّ أيّ قرارٍ أميركيّ قد يتّخذه الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في شأن الصين لن يكون كالقرار الذي اتّخذته بريطانيا قبل أقلّ من مئتي عام. الوضع تغيّر كثيراً.
أدرك عمق وأبعاد هذا التغييرِ كلٌّ من الرئيسِ الأميركيّ الأسبق ريتشارد نيكسون ووزيرِ خارجيّتِه هنري كيسنجر. حملهما ذلك على القفزِ من فوقِ أوروبا (الحلف الأطلسيّ) والتوجّه مباشرةً إلى الصين لإقامة علاقاتٍ تحالفيّةٍ معها تلتفّ حول الاتّحاد السوفيتيّ السابق.
لم تعد الصين سوقاً لترويج المخدّرات البريطانيّة (المصنوعة في الهند المحتلّة). ولم يعد فرض المنتجات الأميركيّة في مستوى سهولة فرض ترويج المخدّرات البريطانيّة. أصبحت الصين دولةً نوويّةً كبرى، وأعادت فتح طريق الحرير، وحدّثت شبكة تحالفاتٍ دوليّةٍ سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً تكاد تشمل كل القارّات.
محمد السماك
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.