إستباحة الفضاء العام وتغييب حقوق المواطن

45

بقلم نادين شلهوب

لا شك أن السياسة الخارجيّة، وقضايا الأمن والسلاح، والملفات الإقليميّة الساخنة، هي من الأولويات التي تشغل بال الدولة اللبنانيّة، وتشكل جزءًا أساسيًا من مسؤولياتها الإستراتيجية. فمصير الأوطان لا يُبنى في الفراغ، 

لكن، في خضم الإنشغال الدائم بهذه القضايا الكبرى، يبدو أن الحكومة تنسى – أو تتناسى – أن حياة الناس اليوميّة هي أيضًا معركة، لكنها معركة صامتة، مرهقة، ومستمرة. فالمواطن العادي لا يطلب الكثير: قليل من الكرامة، وسهولة في التنقل، احترام لحقوقه الأساسيّة وأبسطها اذا لم نقل أسخفها، وفي مقّدمتها حقّه في المدينة، في الطرق، وفي الفضاء العام.

من هنا، يصبح من الضروري التنبيه إلى أن الإفراط في التركيز على الملّفات الكبرى يجب ألا يكون على حساب هموم الناس الصغيرة التي تتحول، بفعل الإهمال، إلى أزمات خانقة. لا يجوز أن تبقى قضايا الناس المعيشيّة في ذيّل الإهتمامات، ولا أن يُترك المواطن يتخبط وحده أمام استغلال منظّم يطال حتى حقّه في ركن سيارته على قارعة طريق عام.

بهذه الروح، وجب تسليط الضوء على واحدة من أكثر المشكلات استفزازًا في المدن اليوم: استيلاء شركات الباركينغ على الشوارع العامّة والمرافق المشتركة، وتحويلها إلى مصدر جنيّ أرباح على حساب الناس، في ظل غياب شبه تام للرقابة والمحاسبة.

في ظلّ الضغوط الإقتصاديّة والمعيشيّة التي تثقل كاهل المواطن اللبنانيّ، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة لافتة صارت تشكّل مصدر استياء واسع: تغوّل شركات الباركينغ في المناطق الحيويّة، بخاصةٍ في شوارع المطاعم والمقاهي، والمناطق المجاورة للمجمعات السياحيّة والمسابح، حيث تحوّلت الأرصفة والشوارع العامّة إلى “ملكيّة خاصة” تديرها شركات لا ترحم، ولا ندري لمن تعود هذه الأموال المسلوبة من جيبة المواطن.

ما بات من غير المقبول أن يتحّول الحق العام إلى سلعة تجاريّة، يدفع المواطن ثمنها أضعافًا مضاعفة فقط ليتمكن من ركن سيارته أثناء احتساء فنجان قهوة لا يتجاوز سعره الدولاران. ما يحصل هو نوع من الإستبداد الحديث، يرتدي ثوب الإستثمار ولكنه في جوهره انتهاك لحقوق الناس. الشوارع التي تتمّ صيانتها بأموال الدولة من الضرائب على الناس، والأماكن العامّة التي خُصّصت لخدمة الجميع، صارت رهينة مصالح خاصّة، تُفرض على المواطن وكأنها أمر واقع لا مفرّ منه.

وفي مشهد أكثر استفزازًا، تُستباح الأماكن العامّة تحت الجسور أو قرب المجمّعات الترفيهيّة، لا سيّما تلك المجاورة للمسابح، حيث تجد المساحات الواسعة التي كان يُفترض أن تكون متنفسًا عامًا، وقد وُضعت تحت اليّد من دون حسيب أو رقيب. لا لافتة رسميّة، ولا قرار واضح، بل مجّرد حواجز، وأشخاص يفرضون تسعيراتهم على من يشاؤون، والأنكى بأسعار متفاوتة يمكنها ان تصّل الى حدّ العشر دولارات بحسب المدينة.

السؤال هنا: من يحمي حق المواطن في استخدام المساحات العامة؟! من يوقف هذا التعديّ المقنّع تحت عنوان “تنظيم المرور” أو “إدارة المواقف”؟! هل المسؤولية تقع على عاتق وزير الأشغال الذي يُفترض أن يُشرف على إدارة البنية التحتية العامة؟! أم على وزير الداخليّة المكلّف بحفظ النظام ووقف أي استغلال غير مشروع للمساحات العامة؟! وما هو دور البلديّة التي يقع هذا التعديّ الظاهر ضمن نطاقها؟!

ما نحتاجه هو موقف واضح وحازم، ينطلق من احترام حق المواطن في المدن، وفي استعادة الفضاء العام من براثن الخصخصة الجشعة. نناشد أصحاب القرار أن ينزلوا إلى الأرض، أن يروا كيف صارت حياة الناس رهينة شركات استغلاليّة، وأن يعملوا على تنظيم هذا القطاع، لا تركه فريسة للفوضى والإحتكار.

فليس من العدل أن يدفع المواطن ضريبة الطرق والبلديّات، ثم يُجبر على دفع “خوّة” إضافية ليحصل على حقه في ركن سيارته في شارع عام.

نادين صموئيل شلهوب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.