إسرائيل فقدت عقلها… وتحتفي بالإبادة

22

أحمد الصادق – رام الله

«أساس ميديا»

لا تُخفي إسرائيل احتفاءها بإبادة قطاع غزّة، ولا تكتم نشوتها بضمّ الضفّة الغربية، بل تعلن ذلك على الملأ، في مشهد تجسّد خلال مسيرة الأعلام السنوية التي شارك فيها آلاف المستوطنين في القدس قبل أيّام، وعبر قرارات حكومية متسارعة.

بصوتٍ عالٍ، هتف آلاف المستوطنين في 26 أيّار في مسيرة الأعلام، داعين إلى قتل العرب وإبادتهم مردّدين “الموت للعرب” و”محمّد مات” و”لتحترق قريتكم”. وتمايلوا بعد ذلك على وقع كلمات أغنية عبريّة تشاركوا في غنائها وتقول كلماتها “لا توجد مدارس في غزّة، لم يبقَ أطفال هناك”.

وصفت صحيفة “هآرتس” ما جرى بأنّه “احتفال علنيّ بالإبادة الجماعية”، وقالت في افتتاحيّتها في 28 أيّار إنّ “ما شهدته المسيرة يعكس مدى التدهور الأخلاقي العميق والتطبيع العلني مع خطاب الكراهية”، مضيفة أنّ “إسرائيل لم تعد دولة عاقلة، بل تبدو وكأنّها فقدت عقلها بالكامل”، مختتمة: “دولة عاقلة لا تحتفل بموت الأطفال، ولا تموّل مثل هذه المسيرات من ميزانية الحكومة والبلديّات. إسرائيل اليوم لم تعد عاقلة، بل تبدو وكأنّها فقدت عقلها كلّيّاً”.

مجّدت مسيرة الأعلام لهذا العام القتل، واحتفت بالإبادة الجماعية من خلال شعاراتها الرئيسية، وكان أبرزها اللافتة الأضخم لمنظّمة “إم ترتسو” اليمينيّة التي كُتب عليها: “من دون النكبة لا يوجد نصر”، بينما ارتدى مستوطنون قمصاناً تحمل الشعار ذاته، في دعوة صريحة إلى إعادة إنتاج نكبة 1948.

حظيت هذه المسيرة بدعم وزراء وأعضاء كنيست، وشارك فيها الوزيران إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الذي أكّد نيّة إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل وإعادة بناء المستوطنات، قائلاً: “القدس لنا، وسنوسّع حدود دولة إسرائيل، وسنبني الهيكل بأموال وزارتي، ونصل إلى الخلاص التامّ. نحن لا نخاف من الاحتلال ولا من النصر، فليسمعوها في غزّة”.

طلب التّحقيق في التّحريض

دفع المشهد المليء بالتحريض على الإبادة والقتل في مسيرة الأعلام مركز مناهضة العنصرية في إسرائيل إلى توجيه رسالة رسمية إلى الشرطة والنيابة العامّة يطالب فيها بفتح تحقيق جنائي في أحداث المسيرة.

استعرضت الرسالة “سلوكاً عنيفاً وتحريضيّاً مارسه مشاركون فيها على الرغم من الانتشار المكثّف لأكثر من ثلاثة آلاف عنصر من الشرطة وحرس الحدود، وبمشاركة وزراء وأعضاء كنيست بارزين”، موضحة أنّ “مجموعات من طلّاب المدارس الدينية وصلت إلى الحيّ الإسلامي قبل انطلاق المسيرة وهم يهتفون بشعارات عنصرية ويغنّون أغاني تحريضية، وقاموا بتكسير لافتات المحالّ، تخريب أبواب المتاجر المغلقة باستخدام أعمدة الأعلام، إلصاق مئات الملصقات ذات الطابع التحريضي والبصق على الفلسطينيين وسبّهم والاعتداء جسديّاً على ناشطين من منظّمات “نقف معاً”، “ننظر إلى الاحتلال في العين”، و”عير عميم”.

سبقت المسيرة اقتحامات تعدّ الأكبر والأخطر للمسجد الأقصى من حيث العدد وحجم الانتهاكات، شارك فيها بن غفير، رفع المستوطنون خلالها الأعلام الإسرائيلية وأدّوا الطقوس التلموديّة ودعوا إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل. ونشر مستوطنون مقاطع فيديو لهم داخل الأقصى يدعون فيها الى بناء الهيكل، مؤيّدين ومحرّضين على إبادة أطفال غزّة، بينما سخر عضو الكنيست الإسرائيلي تسفي سوكوت من ردود الفعل العربية والإسلامية تجاه ما وصفه بـ”الوجود اليهودي المتزايد في الأقصى”، قائلاً: “قالوا إنّ صلاة يهوديّ واحد في الأقصى ستُشعل الشرق الأوسط، واليوم الآلاف صلّوا، رقصوا، غنّوا ورفعوا الأعلام هناك… ولم يحدث شيء”.

رئيس حزب الديمقراطيّين “إرهابيّ”

الخطاب الإرهابي والتحريض الذي يسود المجتمع الإسرائيلي في ظلّ سطوة اليمين، طال يائير غولان، رئيس حزب “الديمقراطيين”، الذي تعرّض لتحريض أنصار بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي الذين طالبوا بإعدامه، واصفين إيّاه بـ”الإرهابي”، عقب تصريحاته التي اتّهم فيها جيش الاحتلال بقتل الأطفال في غزّة من باب الهواية.

تعرّض غولان لهجوم وانتقاد من جميع النخب السياسية في إسرائيل، سواء في الحكومة أو المعارضة، وهو ما دفع “هآرتس” للقول: “كأنّ تصريحات غولان كشفت ما لا يُراد له أن يُقال. الهجمة على غولان أظهرت أنّ كلماته أصابت العصب الحيّ. فالمجتمع الإسرائيلي يدفن رأسه في الرمال، رافضاً الاعتراف بواقع الحرب”.

أضافت أنّ “مسيرة الأعلام تكشف الحقيقة العارية: القتل ليس عرضاً جانبيّاً بل هدف. ليس مأساة بل انتصار في نظر الجماهير التي تهتف، ترقص وتحتفل وسط العاصمة، معلنة أنّ موت الأطفال هو جزء من النشيد القوميّ الجديد”.

في الضفّة تنتشي حكومة نتنياهو وعصابات مستوطنيها بتسارع وتقدُّم المشروع الاستيطاني الذي يندرج فيه الضمّ، بعدما صادق الكابينت الإسرائيلي حديثاً على بناء 22 مستوطنة في الضفّة، وسبقت ذلك بأيّام مصادقته أيضاً على استئناف تسجيل ملكيّة الأراضي في المنطقة “ج”، التي تشكّل 61% من مساحة الضفّة الغربية، من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية.

وصف وزير الأمن يسرائيل كاتس هذا القرار بأنّه “يعيد الاعتبار إلى الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة”، بينما قال سموتريتش إنّ “تسوية الأراضي تنضمّ إلى إجراءات تسوية الاستيطان الشبابي (أي البؤر الاستيطانية العشوائية) والتخطيط والبناء وتطوير الشوارع والبنية التحتية، والتي نقودها من أجل إحضار مليون مستوطن آخر، وتعزيز الحزام الأمنيّ لدولة إسرائيل والقضاء على خطر الدولة الإرهابية الفلسطينية”.

دعوة لمحو قريتين!

تترافق هذه القرارات والسياسات مع تغوّل هجمات المستوطنين على القرى في الضفّة، وحملات تحريض واسعة، على غرار ما شهدته بلدتا بروقين وكفر الديك في محافظة سلفيت منذ منتصف أيّار بعد مقتل مستوطنة بالقرب منهما، اللتان تعرّضتا لهجوم من المستوطنين أحرقوا خلاله المركبات والمنازل، بعد عمليّة عسكرية للجيش استمرّت 11 يوماً.

بالتزامن مع العملية العسكرية للجيش في البلدتين دعا رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفّة يوسي دغان إلى “مَحْو” القريتَين من على وجه الأرض، بينما دعا سموتريتش إلى تدمير القريتَين، قائلاً: “كما دمّرنا الشجاعيّة وتل السلطان في غزّة، يجب أن ندمّر أوكار الإرهاب في الضفّة، ونبدأ ببروقين وكفر الديك”.

أحمد الصادق – رام الله

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.