إيران ما بعد خطة ترامب: خسائر بالجملة
بقلم حسن فحص
«أساس ميديا»
ليس مصادفة أن يخرج قائد قوّة القدس في حرس الثورة الإسلاميّة الجنرال إسماعيل قاآني عشيّة الذكرى الثانية لحرب “طوفان الأقصى” ليقول إنّه “لا إيران ولا “الحزب” ولا قيادة “حماس” في الخارج كانوا على علم بقرار الهجوم وموعده”. وهو كلام قد يمهّد الطريق أيضاً أمام مقولة جديدة قد تخرج بها القيادة الإيرانيّة في الأيّام المقبلة فحواها أنّها “لم تكن على علم بتوجّه قيادة حماس إلى الموافقة والقبول بمبادرة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لوقف الحرب في غزّة”.
لا شكّ أنّ إعلان “حماس” قبول مبادرة ترامب شكّل إرباكاً واضحاً في تقديرات كلّ من طهران وضاحية بيروت الجنوبيّة، خاصّة تلك السرعة التي أُعلن فيها الموقف قبل انتهاء المهلة التي حدّدها ترامب بيومين، وأنّ الملاحظات التي وضعتها “حماس” على المبادرة، والمرتبطة باليوم التالي لتنفيذ الاتّفاق وما يتعلّق بمستقبل إدارة القطاع، لم تكن سوى موقف لا يرقى إلى حالة “ربط نزاع” قد تؤسّس لعمليّة تفاوضيّة جديدة.
قرع طبول الحرب
على الرغم من محاولة البحث عن إيجابيّات في قرار “حماس” قبول مبادرة ترامب، إلّا أنّ الحقيقة التي تدركها طهران هي أنّ هذا القرار الحمساويّ شكّل أزمة استراتيجيّة لها ووضعها أمام حقيقة واضحة في ما يخصّ أزمتها مع واشنطن والدول الغربيّة مفادها أنّ مسار الحلّ والخروج من المأزق الذي تعيشه جرّاء الضغوط السياسيّة والعقوبات المشدّدة يمرّ عبر القبول بما يقدَّم لها من مقترحات أميركيّة وأوروبيّة تسمح بإعادة تفعيل المسارات الدبلوماسيّة، وبالتالي تبعد شبح الحرب عنها أو تؤجّله على أقلّ تقدير.
مع قرع واشنطن طبول الحرب من خلال الحشود العسكريّة التي تشهدها المنطقة، تضع إيران وما بقي من محورها في الإقليم في دائرة الاستهداف المباشر وغير المباشر لأيّ عمل عسكريّ محتمل أو متوقّع، سواء كان الهدف منه إنهاء الهدنة التي تمّ التوصّل إليها بعد هجوم حزيران الماضي بتوجيه ضربة جديدة أوسع وأكثر قسوة من السابق قد تؤدّي إلى انهيار النظام والقضاء عليه، أو كان الهدف توجيه ضربة لنظام طالبان في أفغانستان لإجباره على إعادة تسليم قاعدة باغرام الجوّيّة للقوّات الأميركيّة، لأنّ من أهداف عودة واشنطن إلى أفغانستان تضييق الخناق على إيران ومحاصرتها، إلى جانب محاصرة روسيا والصين وممرّاتهما البرّيّة الاقتصاديّة نحو وسط آسيا والمياه الدافئة عبر إيران.
إشارة الرئيس الأميركي إلى الدور الإيراني ورغبته المبطّنة بالتهديد حول تعاون طهران لإنجاح مبادرته لإنهاء الحرب في غزّة، التي جاءت خلال مؤتمره الصحافي وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيليّ، لا تعني بالضرورة أنّ باستطاعة إيران أن تلعب دوراً مسهّلاً ومساعداً في تمرير المبادرة ودفع “حماس” للموافقة عليها، خاصّة أنّ المسار الذي أخذته الأحداث بعد إعلانها لا يشي بذلك، ولا سيما مع دخول العامل التركيّ المباشر على خطّ الحوار مع “حماس” إلى جانب قطر ومصر، وهو دخول نقل العلاقة مع “حماس” إلى مسار وسياق مختلفين بعيداً عن طهران، التي بات عليها أن تتعامل مع الحقائق الجديدة وتداعيات موافقة قيادة “حماس”، بما في ذلك الإقرار بخسارتها التامّة لورقة نفوذها في غزّة، ودفع من بقي من حلفائها كحركة الجهاد للقبول والتحوّل عن موقفها المعارض للمبادرة الذي عبّرت عنه في أوّل ساعات إعلانها.
سقوط رهانات طهران على استمرار الحرب في غزّة وصمود “حماس” لا يعني خسارتها لجميع أوراقها. لكن بات عليها في المقابل مواجهة حقيقة أنّ تحييد غزّة قد يفتح الطريق ويعزّز خيار الحرب ضدّها، خاصّة أنّها مع حلفائها مجبرون على إعادة تقويم الآثار السلبيّة لهذا التحوّل، لأنّ الإيجابيّات بالنسبة لها ولما بقي من محورها تبدو ضبابيّة، في ظلّ تمسّك واشنطن بشروطها من أجل استبعاد خيار الحرب والعودة إلى خيار الدبلوماسية.
العودة إلى الحوار؟
يطرح استمرار طهران في سياسة المواجهة والتصعيد في ظلّ الأجواء المستجدّة بعد مبادرة ترامب سؤالاً على القيادة الإيرانيّة عن حجم الأثمان التي قد يكون عليها دفعها، والموازنة بين هذه السياسة وخيار الذهاب إلى رؤية واقعيّة وذكيّة وذات مستويات متعدّدة تسمح لها بإعادة النظر في أدواتها السياسيّة وفي علاقاتها مع المجتمع الدولي، بحيث تكون قادرة على الحفاظ على أهدافها الأساسيّة، وممارسة ليونة تساعد في تخفيف التصعيد وتكسر العزلة الدوليّة وتضمن لها الأمن والاستقرار والنموّ.
إذا ما كانت لدى القيادة رغبة أو ميل للعودة إلى المسار الدبلوماسي، نتيجة ما تخشاه من أثمان وتداعيات قد تنتج عن خيار الحرب والاستمرار في المواجهة، فإنّ الطريق إلى ذلك يواجه صعوبات نتيجة الشروط الأميركية ذات السقف المرتفع، التي أُضيف إليها شرط جديد واضح إلى جانب الشروط الثلاثة السابقة، وهو التفاوض المباشر مع واشنطن وتفكيك البرنامج النووي بالكامل والتخلّي عن دورة تخصيب اليورانيوم، وتفكيك البرنامج الصاروخيّ وخفض مدياته إلى 300 كيلومتر، علاوة على شرط وقف دعم الجماعات الموالية لها في الإقليم، وهي شروط لا تقتصر على الأبعاد السياسيّة والدفاعيّة والردعيّة وحجم نفوذ إيران ودورها في الشرق الأوسط، بل تطال البعد الأيديولوجيّ والعقائديّ للنظام، خاصّة مع استمرار تعامل النظام وقيادته مع البعد الأيديولوجيّ كأحد ثوابت العقيدة الإيرانية، وعدم استعدادها للتعامل معه كمتغيّر من ضمن المتغيّرات الأخرى التي تدخل في موازين حسابات الربح والخسارة في معادلة المصالح القوميّة.
بعد النجاح الذي حقّقه ترامب على خطّ الأزمة الفلسطينيّة والحرب في غزّة، من المتوقّع أن تعود الأصوات في الإدارة الأميركيّة الداعية إلى الحوار مع إيران إلى الارتفاع كمحاولة من واشنطن لسحب الذرائع من يد النظام في إيران وتوظيف أيّ رفض من طهران كغطاء للحرب التي تقترب من حدودها، والتي قد لا تقف تداعياتها فقط على طهران، بل ستطال حلفاءها أيضاً، وعندها لا يمكن وقف تداعياتها وحجم الأضرار والخسائر التي قد تلحق بها وبمحورها.
حسن فحص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.