استغلال سياحي في البترون: تذكارات اللبنانيين المغتربين بين تفاوت الأسعار وغياب الرقابة
بقلم نادين شلهوب
في قلب البترون، المدينة الساحلية التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى مقصد أساس للبنانيين المغتربين والسياح الأجانب، تتكرر شكاوى الزوار والمقيمين من تفاوت فاضح في أسعار التذكارات والمنتجات السياحيّة. فعلى الرغم من أن معظم المحال تبيع الأصناف عينها – من الحلي اليدوية، الأكسسوارات، القمصان المزخرفة بعبارات لبنانية، وصولاً إلى الأواني والمشغولات التراثيّة – إلا أن الأسعار تختلف بشكل لافت من متجر إلى آخر، لتصل أحياناً إلى الضعف أو حتى ثلاثة أضعاف.
تقول أحدى المغتربات العائدة من اميركا: “اشتريت هدية من أحد المحال بـ30 دولاراً، ثم اكتشفت المتجر المجاور يبيعها بـ10 دولارات فقط. شعرت أنني تعرضت للإحتيال، لكنني لم أجد أي جهة أشتكي لها.”
هذا المشهد بات مألوفاً في البترون، حيث المنافسة بين التجار تحولت إلى “مضاربات” في الأسعار، ولكن ليس لصالح المستهلك، بل على حسابه. فبدلاً من اعتماد تسعيرة موحّدة أو معقولة، يتفنن بعض التجّار في رفع الأسعار، أحدهم يقول اخفض أسعارك والآخر يرّد انت ارفع أسعارك، مستغلّين اندفاع المغتربين لشراء الهدايا، بخاصةٍ أن هذه التذكارات تشكّل رمزيّة عاطفيّة لهم وتعيد وصلهم بالوطن الأم.
اللبنانيون المقيمون أيضاً لم يسلموا من هذه الظاهرة. كثيرون باتوا يرافقون ضيوفهم من الخارج وهم يشعرون بالحرج أمام الممارسات التجاريّة التي وصفوها بـ”الاحتيال العلني”. أحد سكان البترون علّق قائلاً: “نحن نحب أن يزورنا أقاربنا في الصيف، لكن الاستغلال التجاري يترك صورة سلبية عن مدينتنا. الأسعار بلا منطق، ولا جهة رقابية تحمي المستهلك.”
وعلى الرغم من حجم الشكاوى، يبقى الغياب التام لوزارة الاقتصاد وأجهزة الرقابة المعنيّة العلامة الفارقة. فلا جولات تفتيشيّة، ولا لوائح أسعار واضحة، ولا أي إجراءات لوقف الفوضى. الأمر الذي يعزز شعور الزوار بأن السوق “متروك في مهبّ الريح”، حيث يفرض كلّ تاجر السعر الذي يراه مناسباً، حتى ولو كان خيالياً.
هذا الواقع يطرح سؤالاً أساسياً: هل يُعقل أن تُترك صورة لبنان السياحيّة، في واحدة من أبرز مدنه الساحلية، رهينة الاستغلال التجاري والفوضى؟
ففي وقت يسعى البلد لتعزيز قطاع السياحة كرافعة اقتصاديّة، تشكّل هذه الممارسات ضربة مباشرة لسمعته، وربما سبباً لنفور المغتربين الذين يفترض أنهم سفراء لبنان في الخارج.
في النهاية، يبقى الأمل بأن تتحرك الجهات الرسميّة سريعاً، ليس فقط لحماية المستهلك، بل أيضاً لحماية صورة لبنان كوجهة سياحية تراثيّة ثقافيّة، قبل أن تتحول التذكارات والقدوم الى لبنان، من “ذكرى جميلة” إلى “ذكرى مريرة”.
نادين شلهوب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.