استياء رئاسيّ: “الحزب” قدّم أكبر خدمة لإسرائيل

5

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

رَفَع “الحزب” السقف عالياً من رفضه القرارات الصادرة عن الحكومة في شأن “جدولة” حصر السلاح، وتبنّي “أهداف” الورقة الأميركية، إلى التلويح بإسقاط الحكومة والتهديد بأنّها “لن تكمّل حتّى الانتخابات النيابية المقبلة”، على حدّ قول نائب “الحزب” إيهاب حمادة. فما هي القراءة الرئاسية لتطوّرات الأيّام الماضية الفاصلة عن نهاية آب؟

لا يُبدي أركان الحكم تَوجّساً فعليّاً من تهديدات لا تجد أرضيّة شعبيّة وسياسيّة لها، سيَما أنّ الحكومة نفسها اختبرت تجديد الثقة بمسارها في 16 تمّوز، ونالت قراراتها في شأن جدولة تسليم السلاح، وتكليف الجيش إعداد خطّة تطبيقية، موافقة كلّ القوى السياسية باستثناء الفريق الشيعي المُمثّل في الحكومة.

أمّا الأهمّ فهو الغطاء الأميركي والدولي الذي يُحصّن الحكومة من أيّ زلزال داخلي، إلّا إذا ذهبت الأمور نحو توتّرات أمنيّة واسعة وتمرّد “شيعي” على الحكومة في الشارع يمسّ بالسلم الأهلي، لا يجد حتّى الآن من يتبنّاه داخل أروقة حركة أمل و”الحزب”، وفق تأكيدات رئاسية.

في مقلب “الحزب” تأكيدات أنّ “تسليم السلاح في ظلّ معطيات المرحلة غير وارد، ولا نقاش في تسليم رقبتنا إلى الإسرائيليين”. وقد لخّصت مقدّمة المنار المشهد بالآتي: “لا بصيص نور مع الإطباق الأميركي على الحكومة اللبنانية المُسيّرة، ومسار الأمور لا يُبشّر باختراق سياسي يُخفّف من مفاعيل القرار الحكوميّ الأخرق”.

التّواصل لم ينقطع

تعتبر المدّة الفاصلة بين القرارات الصادرة عن الحكومة في شأن السلاح في جلستَي 5 و7 آب، وتاريخ 31 آب، الموعد المفترض لتقديم الجيش خطّته حول “إنهاء الوجود المسلّح لجميع الجهات غير الحكومية بمن فيها الحزب”، تعتبر مدّة حاسمة ومصيريّة في سياق الكباش الخطير وغير المسبوق بين “الحزب” والحكومة.

بخلاف كلّ التسريبات في الأيّام الماضية، وربطاً بتأزّم الوضع السياسي عقب جلستَي الحكومة، تؤكّد المعطيات الموثوقة أنّ الاتّصال لم ينقطع بين بعبدا وعين التينة، وبقيت الاتّصالات شغّالة يوميّاً بين مسؤولي القصر والرئيس نبيه برّي، كما بين بعبدا والضاحية مباشرة، أو بشكل غير مباشر، من خلال الوسطاء.

بالتزامن، سجّلت زيارة لافتة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل للرئيس نبيه برّي ارتبطت بشكل مباشر بالخطّة التي يعدّها الجيش لجدولة تسليم السلاح، والتي ستُعرض على مجلس الوزراء لإقرارها نهاية الشهر الحالي.

لا جواب!

خلاصة مفاوضات ما بعد جلستَي السلاح والورقة الأميركية، عدم إعطاء “الحزب” أيّ جواب على جملة الاستفسارات المحيطة بموقفه. يربط خصوم “الحزب” ذلك بثلاثة احتمالات:

– القول إنّ القرار ليس في الضاحية بل في طهران، والرهان في هذا السياق على تطوّر مسار التفاوض الأميركي-الإيراني. ورصد نتائج الدخول الإيراني المتجدّد على خطّ الملفّ اللبناني عبر تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وملاقاة “الحزب” لذلك من خلال إعلان الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم رفضه لقرارات الحكومة في مناسبة ذكرى مسؤول إيراني.

– انتظار تطوّرات انقلابيّة في المنطقة، كسقوط حكم أحمد الشرع، وهناك من يصف هذا الاحتمال بـ “الوهم”.

– استمرار هذا الكباش، بانتظار اقتناع الأميركي بالتفاوض مباشرة مع “الحزب” تحقيقاً لمكاسب سياسية وسلطوية مباشرة.

يؤكّد متابعون للمفاوضات، التي تلت الموقف السلبي لـ”الحزب” من قرارات الحكومة، أنّ “زبدتها ارتكزت على محاولة إقناع “الحزب” بأن لا خيارات للبنان، سيما أنّ “الحزب” نفسه وافق على اتّفاق 27 تشرين الثاني الذي تشكّل الورقة الأميركية-اللبنانية ترجمة تنفيذية له، وبأنّ ما قام به “الحزب” أعفى إسرائيل من التزاماتها، بعدما أعلن سقوط الورقة، فيما المطلوب أوّلاً الحفاظ على الموقف اللبناني الموحّد تحقيقاً للتوازن الوطني لمواجهة أيّ تطوّرات محتملة إن من الحدود الجنوبية، أوالشمالية، أو الشرقية”.

خدمة لإسرائيل؟

حرفيّاً، داخل الأروقة الرئاسية من يتّهم “الحزب” مباشرة بأنّه “قدّم أكبر خدمة لإسرائيل بتحريرها من التزاماتها بعد اعتباره أنّ قرارات الحكومة كأنّها لم تكن، والانسحاب من الجلسة ورفض مناقشة الورقة”.

يرفض هذا الفريق أيضاً “الاتّهامات الغوبلزيّة الموجّهة لبعبدا والسراي، عبر تصوير الأمر وكأنّه استهداف للطائفة الشيعية، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق بسبب استحالة انتظام عمل الدولة من دون تحقيق التوازن بين مكوّنات الوطن”.

استياء رئاسيّ

فيما سجّل المرصد السياسي منذ بداية ولاية حكومة نوّاف سلام توتّراً لم يهدأ على خطّ الضاحية-السراي، فإن مسار التفاعل الإيجابي الذي حرص كلّ من “الحزب” ورئاسة الجمهورية على إظهاره، منذ بداية العهد وتدشين التفاوض حول السلاح من مرحلة مورغان أورتاغوس إلى ورقة توم بارّاك، انتهى باستياء رئاسي كبير في بعبدا من تصرّفات “الحزب”، وتصريحات مسؤوليه والدائرين في فلكه، وتذرّع وزراء الثنائي بأنّهم “تكنوقراط” ولا تجوز مناقشة ملفّات سياسية بهذا الحجم في الحكومة.

وصل الأمر إلى حدّ اتّهام قريبين من بعبدا “الحزب” بـ “رمي الحرام”، إذ يعرفون جيّداً المقاربة الاستيعابيّة التي اعتمدها رئيس الجمهورية منذ البداية، وانتهت بالضغط الذي مارسه لتأجيل صدور القرار بشأن السلاح (جلسة 5 آب) إلى الجلسة التي أعقبتها، وإعلان الرئيس عون نفسه تحمُّله خسارة من رصيده الشخصي بسبب هذه المقاربة، واتّهامه من قبل  خصوم “الحزب” بالمسايرة والتمييع في ما يتعلّق بملفّ السلاح، ثمّ يُفاجأ رئيس الجمهورية لاحقاً بسلّة اتّهامات وصلت إلى حدّ اتّهامه بالانقلاب على الدستور وعلى التفاهمات مع الثنائي الشيعي.

تجد القراءة الرئاسية على خطّ بعبدا-السراي أنّ “الحزب، بأدائه، يخسر يوماً بعد يوم، ويعزل نفسه، ويؤخّر الحلّ المستدام، ويُسهّل مهمّة خصومه. فبعد 53 ساعة من التفاوض الثلاثي في بعبدا، الذي شهد إيصال رسائل بخطّ اليد من برّي و”الحزب”، تمّ التوصّل إلى ورقة لحظت التعديلات اللبنانية على الورقة الأميركية بنسختها الأصلية، وأهمّها الفقرة الأخيرة التي أُضيفت بضغط من الرئيس عون، ومفادها  بدء تنفيذ المقترح بعد موافقة كلّ من الجانب اللبناني والإسرائيلي والسوري، كلٌّ في ما يخصّ التزاماته كدولة. هذه نقطة مهمّة لمصلحة لبنان، ومع ذلك استخدم “الحزب” ذريعة اعتبار الورقة برمّتها أميركية لينقلب على التفاهم الذي كان يردّد دوماً أنّه يحتاج فقط إلى إخراج”.

لا خيارات

أمّا في ما يتعلّق بتراتبية البنود ضمن الورقة الأميركية التي تقدّم تسليم السلاح على الانسحاب الإسرائيلي تقول مصادر قريبة من بعبدا: “نحن نتحدّث عن فارق نحو أسبوعين فقط، لا سنتين”. وماذا عن الضمانات؟ تجزم مصادر موثوقة لـ “أساس” أن “لا ضمانات أميركية للبنان بالتزام إسرائيل، لكنّ واقع الحال أن لا خيارات للبنان سوى تبنّي تسليم السلاح، وإلّا فالمواجهة مع المجتمع الدولي التي ستكون كلفتها عالية جدّاً على لبنان، وخسارة فرصة تعافي لبنان على كلّ المستويات”.

ملاك عقيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.