الإستحمار في خدمة الزعيم

10

بقلم فوزي عساكر
رئيس تحرير مجلة «العالمية»
أنا من مُحبّي الأفلام الهندية، التي حتى ولو كانت تعتمد على الخدع السينمائية، إنّما تبقى أفضل بكثير للترويح عن النفس، بعد مشاهداتنا هذا الكَمّ الهائل من الخدع السياسية في حياتنا اليومية، التي تبدو أنّها متواطئة مع المعالجين النفسيّين الذين يتولّون «تصليح الاكتئاب لدينا»، لكثرة ما تؤذي عقولنا وتبرمِجها على الكذب والنفاق والقتل والحروب!
كنتُ أشاهد فيلمًا هنديّاً، وعلاوةً عمّا فيه من الخدع السينمائية، فيه الكثير من الدروس لعالَمِنا العربيّ.
كان لِمنطقةٍ زعيمُ قبيلة، يبطش بالناس، ويسلبهم حقوقهم، ويسبي نساءهم بسبب تسلّطه وقساوة قلبه، وكان الناس يُهلّلون له هاتفين بفدائه بأرواحهم. كما يَحصل عندنا تَمامًا… فالشعوب المتخلّفة تتشابه كثيرًا. وكان يعتقد هذا الزعيم أنه على حقّ، وأنّ أهلَ بلدته موافقون على كل ما يفعل بِهم.
حدثَ أن اختُطِفَت زوجة فلاح من بيتها، ولم يعرف الفلاح مَن خطفها. فالتجأ إلى الزعيم ليقبضَ على الخاطفين ويعيدَ له زوجته. فوصل إلى قصر الزعيم، في إحدى المناسبات الكبرى، التي فيها كان قصره يعجّ بالضيوف. وراح يستنجده ويستجدي خدمةً منه أمام الحضور: «بالله عليك يا زعيمنا… خطفوا زوجتي… أرجو أن تقتصَّ منهم وتعيدَ لي زوجتي!»
فوعده الزعيم أنه سيعيد له زوجته من الخاطفين (…)
وفيما هو يصرخ في الساحة أمام الحضور، طلّت زوجته من على الشرفة وهي تصرخ: «زوجي… باللهِ عليكَ خلّصني… فقد خطفني هذا الزعيم وهو يغتصبني!». فلم يَجرؤ الفلاحُ النظرَ إلى فوق ليخلّصَ زوجته، ولم يَجرؤ أن يقفَ بوجه الزعيم ليقول له: «أنت المجرم الذي خطفَ زوجتي». فظلَّ مطأطِئ الرأس أمام هيبة الزعيم، قائلاً له: «أنا أشكرك لأنك ستقبض على اللصوص وتعيد لي زوجتي!»
الزوجةُ تصرخ وتطلب النجدة، والزوج يصمّ أذنيه ويطأطِئ رأسه ويستأذن الزعيم ويرحل!
يا شعبنا العظيم… من وحي هذه القصة… أنت أودعتَ أموالك وجنى عمرك بين أيادي اللصوص، وتقف كهذا الفلاح أمام زعيمك الذي سرق أموالك وعمرك وأولادك وزوجتكَ، وتنادي: «بالروح بالدم نفديك يا زعيم»، وتطلب منه أن يسترجع أموالك وعمرك وأولادك وزوجتك من اللصوص، والمصيبة «أنّكَ تصدّق وتأمَل وتعود إلى بيتك خائبًا، تلعنه في غيابه، وتُمجّده في حضوره»، لتكتملَ أنشودة الاستحمار في خدمة الزعيم!
فوزي عساكر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.