الازمة المالية العالمية وصداها لبنانياً – 2

41

بقلم مروان اسكندر

حرية المبادرة ما بين الدول وحتى ما بين انظمة تشجيع تحويل الاموال للاستثمار مع مخاطرها على نقل عدوى اية ازمات تصيب بلدًا من البلدان العشرين الكبرى الى بقية البلدان وكانت البلدان الاوروبية والولايات المتحدة بدأت تعاني من تطورات النظام الصيني في اتجاه تحرير التجارة مع عدد ملحوظ من البلدان الاوروبية وبلدان الشرق الاقصى ومنذ التسعينات اصبح حجم الصين على مستوى الصادرات بين اكبر ثلاث دول اي الولايات المتحدة، المانيا والصين، وحاليًا يمكن القول ان حجم انتاج الصين والهند وأستراليا اصبح يتجاوز حجم وقدرات الاقتصاد الاميركي.

يضاف الى مقارنات الحجم الاقتصادي الاجمالي وقع توقيف التزام الولايات المتحدة بتأمين الذهب للدول التي تحوز احتياطات ملحوظة من الدولار على اساس سعر الاونصة 35 دولارًا وكان الرئيس نيكسون قد اتخذ هذه الخطوة، ولا بد من تفسير وقع هذا الاجراء.  لقد ذكرنا سابقًا ان بريطانيا اوقفت التزامًا من هذا النوع عام 1928 ثم تراجعت عنه واصبح الدولار عملة التبادل التجاري الدولي والاستثماري ولم يجر تقييم القرار الاميركي على التبادل التجاري العالمي وحتى على استقرار الاعتماد على الدولار كعملة التجارة العالمية.

الصينيون باشروا خطوات تخفيض الاعتماد على الدولار في تمويل التجارة الدولية منذ سنوات وقد اعلنوا عن استعدادهم لاعتماد التسديد بعملتهم من بلدان الشرق الاوسط وارتفع معدل الاعتماد على العملة الصينية خاصة مع توسيع شبكة البنوك الصينية، واصبحت التجارة العالمية تعتمد على العملة الصينية بنسبة 16% والاعتماد على اليورو بنسبة مقاربة في حين تراجع الاعتماد على الدولار الى مستوى 60%. والواقع اليوم ان نسبة الاحتياطي – ما عدا القدرة على طباعة الدولارات – لدى الولايات المتحدة تستوجب اللجوء الى الطباعة ودين الولايات المتحدة يفوق ال33 تريليون دولار والعجز السنوي في الميزانية يفوق ال2 تريليون دولار منها تريليون فوائد ومستحقات على الدين، والتريليون هو مليون المليون، وخلال السنتين المنصرمتين 2022 و2023 لجأ الكونغرس الاميركي الى زيادة الاذن في الاستقراض تفاديًا لعدم دفع معاشات الموظفين والامتناع عن تسديد سندات استدانة اصدرت في السابق. وآخر زيادة على حجم الدين العام انجزت بتاريخ 23/3/2024 فاصبح اقصى الدين 35 تريليون دولار (نتيجة العجز الكبير في الميزانية وهو بحدود ال2 تريليون دولار) وتصنيف الولايات المتحدة الائتماني خفض.

ان ازمة الدولار هذه قد تؤدي الى التخلي التدريجي عن الاحتياط بالدولار لدى العديد من الدول وهكذا وضعية لا بد وان تؤثر على مستوى النمو العالمي ونحن نشهد تدني معدلات النمو في اكثر من 16 بلدًا من بلدان ال20 الاوسع انتاجًا وتراجع دور الولايات المتحدة في مجال التصدير لتصبح بالفعل البلد الثالث بعد الصين، والمانيا، وعلى مستوى الدخل القومي تعزيز توجه دول مثل الصين والهند وأستراليا للتعاون في منظمة تضم هذه البلدان، امر يعني ان حجم انتاج كل من الهند والصين يفوق بالقيمة الحقيقية حجم انتاج الولايات المتحدة.

ان تراجع حجم الاقتصاد الاميركي وانحسار دور الدولار من المؤشرات على ان معدلات النمو عالميًا ستنحسر وبالتالي دور لبنان الذي تقزم بالتأكيد لن يحظى بالدعم المطلوب عالميًا، علمًا بان حاجات لبنان التمويلية لتامين الخدمات الاساسية، التعليمية، والبيئية، والصحية والتجهيزية سواء في مجالات النقل او معالجة نتائج التحارب هي محدودة والحكم متقاعس عن اتخاذ خطوات جذرية وتصحيحية، وقد بدأنا نسمع عن خطوات ينادي بها نائب حاكم مصرف لبنان بالوكالة حول مراجعة حسابات ال1.5 مليون مودع في المصارف اللبنانية للتحقق من اصل توافر الودائع، فان كانت من مصادر غير قانونية تلغى – هكذا تعتقد سلطات مصرف لبنان ان معالجة حسابات المودعين تعالج على هذا الشكل، ولا يحتسبون ان الحسابات الكبيرة تحققت لمن خاضوا مصاعب العمل في الخارج سواء كأصحاب شركات هندسية او اختصاصيين في التربية والطب واكبر شركة لبنانية على الصعيد العالمي هي شركة SABIS – اي الشركة التي تأسست من اصحاب مدرسة الشويفات التي يتجاوز عمرها اساسًا ال120 عامًا والتي احتوت الشباب والبنات سوية في صفوفها، واصبحت اليوم تؤمن التعليم على صعيد عالمي ل90 الف تلميذ واكثر عالميًا في الولايات المتحدة والمانيا وانجلترا وفرنسا، ومصر ولبنان. ولا شك ان الدخل المتأتي منها سنويًا يفوق النصف مليار دولار ويمكن من تامين وظائف جيدة لالفي لبناني على الاقل كما يبرهن على قدرات اللبنانيين في مجالات نشر التعليم واصبح هنالك قناعة عالمية بان المؤشر الابرز في نمو البلدان الناشئة هو مستوى العلم.

ان شركة موريكسMUREX التي تنشط منذ اكثر من عقدين في مجالات الذكاء الاصطناعي AI في نطاق النشاط الاقتصادي العالمي حققت انجازات تماثل ما حققته شركة SABIS، واي مراقب اقتصادي يراجع نتائج اعمال هاتين الشركتين وان كانت حصيلة اعمالهم في الخارج يدرك امرين واضحين.

ان قدرة لبنان على انتاج وتنظيم شركات حديثة في مجالات متعددة غير عديدة في حال اعتماد لبنان على نظام سياسي لا يقدر احتكاريين للسلطة والانجاز. كذلك مثال MUREX و SABIS يوفر مؤشر على قدرة لبنان على خوض اعمال متناسبة مع اتجاهات الاقتصاد العالمي وينقل وضعنا من الانكفاء الى النمو.

ومعالجة حقوق المودعين بنظرة التحقق من اصول الودائع امر يناقض واقع الودائع. فالودائع الملحوظة والتي تمثل 90% من مجمل الودائع لاصحاب من المؤسسات التي نجحت في الخارج او بسبب كفاءات شخصية وفرت لبعض اللبنانيين فرص النجاح، ومنهجية مصرف لبنان من التحقق من اصل الحسابات تخالف القانون الذي كان ساريًا عند تحققها، وبالتالي نرجو ونتمنى ان يحافظ لبنان على قدرته على استقدام الودائع والاستثمارات بدءًا بتحسين خدمات ودوائر الدولة في الجمارك واستقطاب استثمارات في نشاطات الاقتصاد الجديد الذي يلف العالم.

مروان اسكندر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.