التهريب في لبنان: نزيف متواصل يهدد الاقتصاد والمجتمع.

4

بقلم دافيد عيسى
يُعتبر التهريب في لبنان من أخطر الآفات التي تنخر في جسد الدولة وتضعف مقومات الاقتصاد الوطني. فالحدود غير المضبوطة تحولت منذ سنوات إلى معابر خلفية للبضائع والسلع والأدوية، ما أدى إلى إغراق السوق اللبنانية بمنتجات مهربة منها مزورة ومنها تفتقر للجودة، وتنافس بشكل غير عادل كل ما هو شرعي وصحيح ومُسجَّل وفق الأصول.
ان التهريب ليس مجرد حركة غير قانونية للبضائع، بل هو نزيف اقتصادي وتهديد مباشر للأمن الاجتماعي.
أغلب ما يدخل الى لبنان هو مهربًا ومزورآ وخاصة الأدوية، بضاعة مزوّرة، ومستحضرات طبية ودوائية مزوَّرة تقود إلى مضاعفات صحية أو فقدان الأرواح. كذلك، البضائع المزوّرة تقوّض الثقة بالمؤسسات وتلحق أضرارًا جسيمة بالمستهلك، وتزيد من العبء الصحي على الأسرة والدولة.
التاجر الشرعي يلتزم بدفع الرسوم والضرائب ويعمل وفق القانون، في حين أن المهرب يدخل بضاعته بأسعار أقل بكثير نتيجة تفلّته من التكاليف القانونية.
هذه المنافسة غير العادلة تؤدي إلى إقفال مؤسسات عريقة في لبنان، وخسارة آلاف فرص العمل، وإفقار الطبقة الوسطى التي كانت عماد الاقتصاد الوطني.
عندما تكون البضاعة مزوّرة، تكون الضربة مزدوجة: ضرب للاقتصاد وضرب لصحة المواطن.
ان التهريب من شمال لبنان ومن الحدود المتداخلة مع سوريا أصبح جرحاً ينهك المجتمع والاقتصاد المحلي.
ان البضاعة القادمة بكمياتٍ كبيرة من دولٍ مجاورة، واكثرها سلع تركية غير خاضعة للضريبة أو المواصفات، تُضعِف الإنتاج المحلي وتحرِم الخزينة من مواردٍ ضرورية للخدمات.
الحل يبدأ بتطبيق صارم للقانون، ودعم الأجهزة الأمنية والجمركية، وتعزيز بدائل اقتصادية وفرص عمل حقيقية لسكان المنطقة حتى لا يبقى التهريب خياراً بديلاً.
ان الجهود التي يبذلها الوزير السابق محمد شقير رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان في مواجهة التهريب وتعزيز الاقتصاد الوطني هي جهود جبارة وفعالة، وقد أبدى شقير التزامًا مستمرًا بمكافحة التهريب واقفال المصانع غير المرخّصة، وكان دائمًا سبّاقًا في طرح هذا الملف مع مختلف الشخصيات الرسمية، بدأ من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مرورآ برئيس الحكومة، وصولًا إلى وزير الداخلية، هذه الجهود هي مطلوبة ونموذجًا يحتذى به، إذ يثبت الوزير شقير أن الالتزام والإصرار على حماية الاقتصاد والمواطن يمكن أن يحققا نتائج ملموسة.
وهنا يجب الإشارة ان الاوضاع تحسنت بشكل ملحوظ في مرفأ بيروت. ومع ذلك، يبقى التهريب في مرفأ طرابلس بلا رادع، وهو ما يؤكد الحاجة الماسة إلى معالجة فورية وحاسمة لتعميم هذا النجاح على كل الأراضي اللبنانية.
لم تعد المعالجات التقليدية قادرة على مواجهة التهريب، بل أصبح الأمر يحتاج إلى خطة أمنية شاملة وسريعة التنفيذ، تشترك فيها كل الأجهزة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تعزيز التعاون مع الجمارك والقضاء.
لأن المطلوب ليس فقط ضبط المعابر الشرعية، بل أيضًا إقفال المعابر غير الشرعية التي تُستخدم يوميًا لنقل البضائع والسلع والأدوية المزوّرة.
ومن الحلول المطلوبة إصدار أحكام قضائية سريعة بحق المهربين والمصانع غير المرخّصة ليكونوا عبرة لغيرهم.
إن التهريب في لبنان لم يعد ظاهرة عابرة، بل تهديد وجودي للاقتصاد والأمن الصحي والاجتماعي. ومع تفاقم دخول أدوية وبضائع مزوّرة إلى الأسواق، يصبح الخطر أكثر إلحاحًا ويستلزم رد فعل سريعًا وقانونيًا. من دون قرار حازم وخطة جدية لتطبيق الإجراءات الأمنية والقضائية على الأرض، سيبقى النزيف مستمرًا وستبقى الدولة تخسر مواردها فيما يزداد المواطنون فقرًا ومعاناة.
إن ضبط الحدود اليوم هو واجب وطني قبل أن تتحول الفوضى إلى قاعدة يصعب كسرها غدًا.
دافيد عيسى

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.