“الحركة” تفاجئ “الحزب” مرّتين

6

بقلم عبادة اللدن

«اساس ميديا»

فاجأت “حماس” محورَ المقاومة، وفي طليعته “الحزب”، بقرار الحرب قبل عامين، وها هي تفاجئه بقرار السِّلم بعد عامين بالتمام والكمال. وفي المفاجأة الثانية، كما الأولى، يرحّب “الحزب” من دون أن يكون جاهزاً للتبعات.

ثمّة سؤالٌ مركزيّ تطرحه خطّةُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزّة: هل يمكن أن يبقى سلاحُ “الحزب” إذا سلّمت “حماس” سلاحها؟

ما قاله ترامب بصريح العبارة هو أنّ الأمر يتجاوز غزّة إلى “إحلال السلام في الشرق الأوسط”، وهو كذلك بالفعل. فالخطّة ليست إلّا تجسيداً لنهاية حقبةٍ كانت سِمتها الأساسيّة سلاحَ التنظيمات خارج إطار الدول، من العراق إلى سوريا واليمن ولبنان وغزّة. وتلك حقبةٌ بدأ مسارُ إنهائها في الساعات الأولى بعد عمليّة “طوفان الأقصى”، ولا مجالَ للتراجع عن هذا المسار، حتّى لو تبيّن للأميركيّين أنّ الأمر يتطلّب حرباً أخرى.

إعادة الحسابات

يراهن “الحزب”، منذ وقف إطلاق النار، على استعجال إدارة ترامب لإغلاق ملفّات الحروب ما دام يحبّ خرائطَ المشاريع العقاريّة وميادينَ الغولف أكثر من خرائط الدول ونزاعاتها. وربّما يراهن على صفقةٍ باردةٍ أو ساخنةٍ بين واشنطن وطهران تتيح له الانسحابَ من جنوب الليطاني ومن عناوين الأخبار، والتفرّغَ لإعادة بناء القدرات العسكريّة والمدنيّة بعيداً عن الاهتمام الدوليّ. وقد وفّرت مقاربةُ المبعوث الأميركيّ توم بارّاك مادّةً قابلةً للتحويل إلى فرصة. فقد خلص بعضُ أركان الحكم إلى أنّ الأميركيّين ليس لديهم الكثير ليقدّموه، لا في المساعدات لإعادة الإعمار، ولا في تسليح الجيش، ولا في التدخّل المباشر للضغط على “الحزب”. وبالتالي ربّما يتراءى لهؤلاء أنّ مهادنة “الحزب” مسارٌ أسلم من مواجهته.

غير أنّ المؤشّرات في أحداث الأيّام الماضية تستدعي إعادةَ الحسابات في بيروت والضاحية، من كيفيّة ولادة خطّة ترامب، إلى ردّ “حماس” عليها، إلى ردّ فعل ترامب على ردّها. كان لافتاً مقدارُ الضغط الذي مارسه ترامب على نتنياهو لعدم تخريب الاتّفاق، ومطالبتُه العلنيّة بوقف الهجمات في غزّة، وسرعةُ إطلاق المفاوضات الخاصّة بتنفيذ الاتّفاق في شرم الشيخ، وإيفادُه صهرَه جاريد كوشنر مع مبعوثه الخاصّ ستيف ويتكوف لإتمام الاتّفاق. وكلّ ذلك يشير إلى أنّ ترامب لن يسمح بإسقاط الاتّفاق هذه المرّة.

ثمّة من تحلو له قراءةُ اتّفاق غزّة على أنّه جزءٌ من سعي ترامب إلى نيل جائزة نوبل للسلام، وبالتالي لا ينسجم مع إمكان السماح لإسرائيل بشنّ حربٍ أخرى على “الحزب”. غير أنّ جوهرَ الاتّفاق، بالمنظور الأميركيّ، أن لا يبقى أيّ سلاحٍ لدى التنظيمات، لا سيّما تلك التي تسلّحها وتموّلها إيران. وتلك قاعدةٌ تسري على السياسة الأميركيّة الجديدة في سوريا والعراق ولبنان.

التّنظيم الوحيد العامل خارج الدّولة

في المقلب الإسرائيليّ كان التغيّرُ الأساسيّ في حروب ما بعد “طوفان الأقصى” أنّها حملت عنواناً عابراً للانقسامات السياسيّة الداخلية هو الخروج من استراتيجية “قصّ العشب”، أي الذهاب إلى الحرب كلّ بضع سنوات لإضعاف قدرات التنظيمات التي تشكّل تهديداً، والتحوّل إلى الحلّ الجذريّ  (Never again).

فاجأت حركة حماس “الحزبَ” مجدّداً، ليس فقط بتسليمها بالواقع الجديد بعدما استنفدت خياراتِها الميدانيّة، بل بالسياق الذي أتى بهذا التسليم، بدءاً من اجتماع قادة عددٍ من الدول العربية والإسلامية مع الرئيس الأميركيّ في البيت الأبيض، ومن بينهم قادةُ الدول الراعية لـ”حماس”، لا سيّما الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان، وهو ما يشير إلى انضواء الحركة تحت مظلّةٍ سياسيّةٍ إقليميّة لا تضمّ إيران.

ربّما تكون قنواتُ تواصُل “حماس” مع الأميركيّين قد بلغت مدىً يتجاوز حدودَ المقبول في قواعد اللعب داخل المحور الإيرانيّ. فخلافاً للشكل الملتبِس الذي وافق به “الحزب” على اتّفاق وقف إطلاق النار، من خلال قناة التفاوض التي وفّرها الرئيس نبيه برّي، فاوضت “حماس” الأميركيين بنفسها، وأصدرت بياناً رسميّاً تُرجم إلى الإنكليزيّة شكرت فيه جهودَ ترامب. ومن اللافت أن تتضمّن خطّةُ السلام الأميركية عفواً عن أعضائها الذين يسلّمون السلاح. وإذا ما تمّت الخطّة كما أعلنها ترامب، فربّما يصبح “الحزب” التنظيمَ الوحيدَ العاملَ خارج إطار الدولة من البحر المتوسّط إلى نهر الفرات.

هل يستطيع “الحزبُ” تحمُّل ذلك؟ تحوّل خطابُ “الحزب” إلى المواجهة في الأسبوعين الماضيَين. وبدا أنّ الحكم منقسمٌ بين العودة إلى المساكنة مع السلاح، والحزمِ في حصره بيد الدولة. لكنّ ما يجري في غزّة يتجاوز غزّة بالفعل، ولا تعوز “الحزبَ” الفطنةُ ليدرك ذلك.

عبادة اللدن

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.