“الحزب”… بين البيانَيْن

2

بقلم كلير شكر

«اساس ميديا»

بينما كانت الأنظار تتّجه إلى الحكومة واحتمال تعرّضها لتصدّعات بنيويّة بفعل الخلاف على قانون الانتخابات، في الشقّ المتّصل تحديداً بتصويت المغتربين، جذب بيان “الحزب” الذي أتى على شكل كتاب مفتوح إلى رئيس الجمهوريّة، كلّ الاهتمام، بعدما أعلن “رفضه القاطع لأيّ محاولة لجرّ لبنان إلى جولات تفاوضيّة جديدة تخدم مصالح العدوّ الصهيونيّ وأهدافه العدوانيّة”، وكأنّه بذلك يطيح مبادرة كلّ من رئيس الجمهوريّة جوزف عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إلى الاستعداد للانطلاق في مسار تفاوضيّ غير مباشر.

على الرغم من لهجة هذا الكتاب، التصعيديّة، والتي تشي بأنّ “الحزب” قرر تجاهل المسار التفاوضي، أسوة بما فعله قبل خمس سنوات، هناك من يذهب في مقاربته إلى حدّ استحضار بيان مشابه صدر في ظروف مشابهة، ويخلص منه إلى نتائج مشابهة.

في 14 تشرين الأوّل من عام 2020، أصدر “الحزب” وحركة “أمل” بياناً مشتركاً أعلنا فيه رفضهما لتشكيلة الوفد اللبنانيّ في مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل. وجاء في البيان أنّ “اتّفاق الإطار الذي أعلنه الرئيس نبيه برّي حول مفاوضات ترسيم الحدود قد أكّد في مقدّمته الانطلاق من تفاهم نيسان عام 1996 والقرار 1701 اللذين على أساسهما تُعقد اجتماعات دوريّة بين ضبّاط عسكريّين حصراً، وبالتالي تشكيل الوفد اللبناني بالصيغة التي وردت وضمنه شخصيّات مدنيّة مخالف لاتّفاق الإطار ولمضمون تفاهم نيسان”.

يومها كان حليف “الحزب” العماد ميشال عون في سدّة الرئاسة. ومع ذلك لم يتردّد الثنائي في وضع خطّ أحمر تحت طبيعة الوفد اللبناني المكلّف بالتفاوض، الذي كان مؤلّفاً من العميد الركن بسّام ياسين، العقيد الركن مازن بصبوص، الدكتور نجيب مسيحي (خبير في الشؤون النفطيّة والبحريّة)، ووسام شباط (مدير عامّ في رئاسة مجلس الوزراء، ومستشار في شؤون الطاقة).

قبل الاتّفاق، كان “الحزب” يرفض أيّ تطبيع أو تفاوض مباشر مع إسرائيل، لكنّه لم يعارض المفاوضات غير المباشرة التي جرت بوساطة أميركية (برعاية الموفد آموس هوكستين). في الأشهر التي سبقت التوقيع، استخدم “الحزب” خطاباً ضاغطاً، مهدّداً باستهداف منشآت الغاز الإسرائيليّة (وخاصّة حقل “كاريش”) إذا بدأ استخراج الغاز قبل حصول لبنان على حقوقه.

بعد التوصّل إلى الصيغة النهائيّة، أعلن الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله أنّ “الحزب” “يقف خلف الدولة اللبنانية” في ما تقرّره، وأنّه يعتبر الاتّفاق إنجازاً وطنيّاً لأنّه “أعاد حقوق لبنان من دون حرب”.

أبرز ما تضمّنه بيان “الحزب” بالآتي:

  • اتّهام الحكومة بالقول إنّها “من خلال قرارها المتسرّع المتعلّق بـ”حصريّة السلاح”، قدّمت للعدوّ فرصةً لاستغلال الموقف وطرحه مجدّداً مسألة نزع سلاح المقاومة”، ووصف ذلك بالخطيئة الوطنيّة. وبالتالي يعيد تأكيد موقفه الرافض لقرارَي 5 و7 آب المنصرم القاضيَين بفرض حصريّة السلاح في مهلة أقصاها نهاية العام الحاليّ.
  • رفضه المطلق لأيّ تفاوض سياسيّ مؤكّداً أنّ “لبنان معنيّ ‏راهناً بوقف العدوان بموجب نصّ إعلان وقف النار والضغط على العدوّ الصهيوني لالتزام ‏تنفيذه، وليس معنيّاً على الإطلاق بالخضوع للابتزاز العدوانيّ والاستدراج نحو تفاوض ‏سياسيّ مع العدوّ الصهيونيّ على الإطلاق”.
  • جعل من اتّفاق وقف اطلاق النار السقف الأعلى الذي يقبل به، إذ اعتبر أنّ “الموقف الوطنيّ اليوم يجب أن يتركّز على تنفيذ إعلان وقف إطلاق النار بحذافيره والضغط على العدوّ لالتزامه”.
  • تأكيد حقّه المشروع في “مقاومة الاحتلال والعدوان”. وهو أمر ليس جديداً، إذ سبق للأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم أن ذكره في عدد من خطاباته. كما اعتباره أنّ إعلان وقف إطلاق النار “شكّل بحسب أطراف الاتفاق منفردين ومجتمعين آلية تنفيذية ‏للقرار ‏الدولي رقم 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في العام 2006، والذي ‏تحددت فيه ‏منطقة العمل وكانت حصراً في جنوب نهر الليطاني من لبنان، وقضى ‏مضمونه ونصه ‏بإخلاء هذه المنطقة من السلاح والمسلحين وأن ينسحب العدو الإسرائيلي ‏إلى ما وراء الخط ‏الأزرق المعلوم”.

هل هو المشهد ذاته؟

صحيح أنّ بين المشهدين خمس سنوات، لكنّ بينهما أيضاً ظروفاً مختلفة كليّاً: هناك قرى وبلدات جنوبيّة مدمّرة بالكامل، وتهديدات إسرائيليّة مكثّفة باستئناف الحرب مع العلم أنّ الاستهدافات يوميّة ولم تتوقّف منذ إعلان وقف إطلاق النار. هناك مجتمع دوليّ ضاغط يطالب لبنان الرسميّ بتقديم إثباتات حسّيّة على أنّه ماضٍ في قرار حصريّة السلاح… وثمّة محاولة لكسب ثقة المجتمع الغربيّ، وتحديداً واشنطن، من خلال العمل على توسيع عمل ومكوّنات لجنة “الميكانيزم”.

الأهمّ من ذلك أنّ الرئيس برّي انتقل من الضفّة الرافضة إلى تلك المؤيّدة للمسار التفاوضيّ غير المباشر. وهذا ليس بتفصيل بسيط.

وفق بعض المعنيّين، لا يستهدف كتاب “الحزب” إلّا بيئته، في مشهديّة متطابقة في خلفيّتها مع مشهديّة عام 2020. ربطاً بالظروف الصعبة المحيطة بهذه البيئة، سيكون صعباً على “الحزب” الانضمام إلى قطار التفاوض، لا سيما أنّ إسرائيل لا تزال تحتلّ سبع نقاط وتمارس عدوانيّتها بشكل يوميّ بحقّ أهالي الجنوب والبقاع.

لهذا يستحيل رصد أيّ إشارة قبول من جانب “الحزب” للورشة التفاوضيّة. يعتبرها سابقة لأوانها. لا بل يفضّل النأي بنفسه عن هذا المسار، والاحتفاط بهامش من الخصوصيّة. لكنّ هذا التمايز لا يُلزم الدولة التي لها حسابات أخرى، ولا يقفل الطريق أمام المسار التفاوضيّ.

لهذا تقصّد رئيس الجمهورية أن يؤكد أمام مجلس الوزراء “إنّ النهاية الطبيعية للحروب هي التفاوض الذي يحصل مع الأعداء وليس مع الأصدقاء وخيار التفاوض لَقِي تأييدًا وطنيًّا ودولياً”، لافتاً إلى أنّ “طرح خيار التفاوض مع الجانب الإسرائيلي يرتكز إلى قناعتنا بإعادة الهدوء والإستقرار في جنوب لبنان ومنع استهداف الأبرياء خصوصاً بعد استنفاد كلّ الحلول الأخرى”.

يرى المعنيّون أنّ بيان “الحزب” تأكيد موثّق لكون المفاوضات حاصلة لا محالة، وأنّ تحضيراتها تسير على قدم وساق. هذا مع العلم أن لا صحّة للكلام عن تمثيل سياسيّ في لجنة “الميكانيزم”، ولا يزال النقاش في الدوائر الرسميّة مبدئيّاً ولم ينخرط في التفاصيل بعد. لكنّ الأكيد أنّ لبنان مقبل على جولة جديدة من التفاوض غير المباشر مع إسرائيل… التي وسّعت من اعتداءاتها في الجنوب قصفاً وتدميراً، وذلك قبل أن يجفّ حبر الكتاب.

كلير شكر

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.