“الحزب” على صخرة الروشة: البحرُ والغرقُ… والعُزلة

4

بقلم محمد بركات

«اساس ميديا»

ذهب “الحزب” إلى سوريا، حاول احتلالها، ففشل. فصار خائفاً من انتقام أهل سوريا في جرود بقاعه. ثمّ ذهب “الحزب” إلى فلسطين، وادّعى أنّه يريد “غزو” الجليل وتحرير القدس، وكذلك انهزم. وها هو اليوم يدفع الثمن من دمائه وشبابنا.

لم يبقَ لـ”الحزب” غير البحر. يقفز فيه أو يشرب منه أو يدفع البلاد كلّها إليه. خسر سوريا وفلسطين، وبات البحر من أمامه ومن ورائه.

مشهد وفيق صفا على حافة البحر يشرب القهوة ويدخّن “الآيكوس”، لَهُوَ تكثيف دراميّ لموقع “الحزب” في المنطقة اليوم. “الحزب” الذي حاول شمالاً، وجنوباً، وبقاعاً، ولم يعد أمامه سوى البحر، يُجبر بأن يلتصق به.

يشرب القهوة ويدخّن، ويفكّر في الحرب الأهليّة، وينتشي بـ”الانتصار المزعوم” على الدولة.

الجزيرة المعزولة بلا فائدة

الموقع الجديد لـ”الحزب”، منتصراً على صخرة الروشة، فوق أمتار عشبيّة يابسة وقليلة، هو كناية مكثّفة عن النهاية الدراميّة التي وصل إليها.

فصخرة الروشة جزيرة “قزمة” غير قابلة للعيش، تحمل كلّ صفات “الحزب” المستجدّة:

– العزلة.

– البحر من كلّ الجهات.

– الارتفاع الوهميّ، فسقفها الأرض اللبنانيّة.

– في كونها تمثّل “صورة بيروت”، تحمل كثافة رمزيّة… لكن بلا جدوى. فلا تُزرع صخرة الروشة، ولا يُبنى عليها.

– الانفصال عن لبنان والاتّصال الطفيف به.

– احتمال الغرق.

– ومجدٌ من رماد… كأنّها “وجهُ بحّارٍ قديم”، كما تقول كلمات جوزف حرب على لسان فيروز.

رحلة “الأمتار” الأخيرة

لم يترك “الحزب” متراً في لبنان لم يقاتل اللبنانيّين فوقه. من جبال صنّين إلى الزعيتريّة في الدكوانة، ومن لاسا في جبيل إلى الجنوب، ومن بعلبك والهرمل إلى عرسال، ومن سعدنايل إلى الحمرا، ومن السراي الكبير إلى بعبدا والرينغ.

وها هي الأمتار الأخيرة، فوق صخرة الروشة، حيث لا بدّ من معركة أخيرة.

كلّ هذه المعارك خسرها “الحزب”:

– انتصر على رفيق وسعد الحريري وأحمد الأسير.. وخسر السُّنّة.

– انتصر على وليد جنبلاط.. وخسر الدّروز.

– انتصر على سمير جعجع.. وخسر المسيحيّين.

– حتّى إنّه يدّعي الانتصار على إسرائيل.. لكنّه خسر الجنوب وبعض ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع وكلّ الردع.

– وها هو يسجّل ظلال انتصار على حكومة لبنان.. ويخسر لبنان.

وفي كلّ مرّة يقيس الأمور فوق الأنف والأنوف، ولا يرى أبعد.

“وجه بحّارٍ قديم…”

لبيروت، وحول بيروت، يدور صراع مرير منذ عصور. بيروت التي حاصرها مغول العصر في 1982، وخرجوا منها هاربين. بيروت التي دافع عنها المسيحيّون: جورج حاوي من بتغرين، والياس عطالله من الرميلة، وجورج قصابلي من أحيائها، ومحسن إبراهيم من الجنوب، وفلسطينيّون وسوريّون وكمال جنبلاط. بيروت هذه لن تقبل أن تصير شيعيّة أو سنّيّة…

بيروت التي تتحدّث الإنكليزيّة والفرنسيّة بطلاقة، والمُقيمة أبداً في محيطها، منذ حفظ البطاركة المسيحيّون عروبتها ضدّ التتريك، وحموا لغة القرآن بين الصخور والصلبان.

بيروت جامعة ميشال عفلق حيث تعمّق في عروبته. وبيروت التي انطلقت منها سفن الفينيقيّين لتنشر الحروف في العالم في سفن التنوير والألوان. وبيروت التي صمدت بوجه الزلازل، وعبرت فوقها مواكب الرومان والبيزنطيّين، وأحبّت العثمانيّين ثمّ كرهتهم.

لبيروت هذه، وحولها، يدور صراع مرير منذ عقدين حول هويتها. صراع لن تحسمه مشاهد عابرة على مشارف صخرة الروشة. فبحر بيروت، الذي ابتلع كلّ هؤلاء، لن يغصّ بأقلّ منهم.

أسئلة أخيرة لا بدّ منها

كيف نضيء صخرة الروشة فيما حولا وميس الجبل وكفركلا والخيام مطفأة؟

كيف يجلس وفيق صفا قبالة صخرة الروشة، ومن حوله صبيانه يهرّجون ويمارسون البطولة أمام الكاميرات، فيما لا يجرؤون على مواجهة إسرائيل التي تقتل وتحرق وتسرق أرضنا؟

كيف نسوق أهلنا إلى فرح انتصار مزعوم على نوّاف سلام، وننشر البهجة بكسر الحكومة وهيبة الدولة، فيما نعجز عن الصمود أمام العدوّ وهو يغوص بعيداً في دمنا وشوارعنا وعرضنا وأرضنا؟

هل يجوز أن نظلم بيروت لنغطّي عورة الهزيمة؟ بيروت التي حمت أنصار “الحزب” في كلّ حرب، وآوتهم وأحبّتهم. لماذا يضربونها كلّما خسروا، كرجل يضرب زوجته كلّما عاد خاسراً من طاولات قمار المنطقة؟

محزنٌ أن ينتهي “الحزب” فوق صخرة معزولة ووحيدة، بعشبها اليابس، وصيت الانتحار الذي يرافقها.

محزنٌ ألّا يجد موقعاً لمهرجان انتصاره، لا في الضاحية المُحاصَرة بالطائرات المسيّرة، ولا بالجنوب المقضوم، أو البقاع المصدوم…

محزنٌ أن يلقي خطاب الانتصار مهرّجُ “السيكي لاح لاح”، علي برّو على حافّة البحر، وهو يشتم رئيس الحكومة بسوقيّة ووقاحة، بعدما كان يلقيه جبلٌ راحل، من قلب الضاحية، على أرض الميدان.

محزنٌ جدّاً.

محمد بركات

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.