الحسيني لـ «الشرق» موسم الزيتون والزيت في الجنوب هذا العام ضعيف وثلثه اختفى وأي تعويض فعلي لم يقدّم حتى الآن
كتبت ريتا شمعون
إنتهى موسم الزيتون في لبنان وبالأخص في الجنوب قبل أن يبدأ، إذ يتحدث المزارعون من الجنوب الى الشمال عن محصول «ضعيف» هذا العام وحبّات صغيرة وزيت أقل ، فيما تتجه الأسعار الى مستويات أعلى مع بدء العصر. موسم الزيتون كان من اهم أعمدة الاقتصاد اللبناني يستفيد منه جميع اللبنانيين من مزارعين وعمال ومستهلكين، ليغتال الزيتون مرّة من قبل الدولة إذا سمحت مع انطلاق موسم القطاف باستيراد الزيتون وزيت الزيتون، ومرّة أخرى على يد العدو الاسرائيلي. في الجنوب، الزيتون ركن من اقتصاد القرى حيث تبلغ نسبة إنتاج الزيتون في محافظتي الجنوب والنبطية حوالى 39% من مناطق إنتاج الزيتون في لبنان، الى ان شهد لبنان أزمة بيئية حادّة نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية الممنهجة، والتي استهدفت الاراضي الزراعية وأشجار الزيتون تحديداً، أسفر هذا العدوان منذ تشرين الأول 2023 عن خسائر اقتصادية أدّت الى حرق آلاف الدونمات من الاراضي الزراعية نتيجة استخدام القنابل الفوسفورية، المحرّمة دوليا ونزوح أعداد كبيرة من المزارعين بعيداً عن المناطق الحدودية. نعم، يؤكد نقيب المزارعين في الجنوب محمد الحسيني في حديث خاص لجريدة « الشرق» أن زراعة الزيتون في جنوب لبنان تشكل ركيزة اساسية في حياة الجنوبيين الاقتصادية، حيث تمثل مصدر رزق لكثير من العائلات ورمزا للصمود، وقد تأثرت زراعة الزيتون بشكل كبير بسبب الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة التي تسببت في إضعاف قدرة المزارعين على مواصلة الانتاج، كما أدّت الى خسائر فادحة في بساتين الزيتون ، كاشفاً، أن الاعتداءات الاسرائيلية خلفت أضراراً جسيمة، إذ تعرضت نحو 450 ألف شجرة زيتون للنهب والجرف والحرق والاقتلاع ، بينما أزيلت المعمرة التي نجت جزئيا، وقد نقلت بعض الاشجار المعمرة الى الاراضي الفلسطينية المحتلة. وشاهدنا بأم العين، العديد من الجرافات والآليات الضخمة وهي تدمر أشجار الزيتون ، وتعمل على اقتلاع الاشجار من جذورها، وقد استخدم الاسرائيلي باعتداءاته الفوسفور الابيض قبل وقف اطلاق النار في تشرين الثاني 2024، ما أسفر عن احتراق مساحات كبيرة من الاراضي والحاق أضرار بالمحاصيل الزراعية في المناطق التي طالها القصف، لإلحاق أكبر قدر من الخسائر، لافتا الى أنه يصعب اليوم استعادة الانتاج بسرعة بعد تعرضها للقنابل الفوسفورية مع آثار ضارة طويلة الأمد على البيئة وخصوصا على خصوبة التربة وسيتطلب الأمر7 الى 8 سنوات لاستعادة الارقام، مشيرا الى أن الفوسفور الابيض يشتعل ويحترق عند درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية، ويستمر في الاحتراق حتى يمنع عنه الاوكسجين، ومع ذلك، قلّل الحسيني، من التردد حول شراء المحاصيل خصوصا من المناطق التي لم تتعرض الى مثل هذه القنابل ، مؤكدا أن الفحوصات المخبرية والتقارير الدولية « اليونيفيل» تؤكد أنه لا وجود لتلوث بالفوسفور في الأرض أو الزيت فيها، مذكراً بأن زيت زيتون الجنوب عالي الجودة يعتبره الكثير من المستخدمين ذو جودة عالية ونكهة أصيلة ويتم عصره على البارد للحفاظ على نقائه، وفي العام 2023 وصل زيت زيتون دير ميماس الى العالمية بفوزه بالميدالية الذهبية في مسابقة زيت الزيتون العالمي في نيويورك.
وفي شرح واضح، « ليش الزيتون بيحمل بكثرة كل سنتين، عوض عن كل سنة» يقول الحسيني، إن التقليم الخاطىء للشجرة أو التقليم غير الصحيح بقص الاغصان التي تحمل الزيتون أو عدم تعريض الاغصان للشمس كل ذلك سيؤدي الى قلة أو عدم حمل شجرة الزيتون الثمار.بالاضافة الى العوامل البيئية والمناخية على سبيل المثال، تحتاج شجرة الزيتون الى درجة برودة في الشتاء من 7-0 درجة مئوية لمدة كافية حتى تزهر الشجرة، ويجب ان لا تتعرض للصقيع أثناء التزهير بالربيع، كما ان هطول الأمطار في فترة التلقيح أو التزهير يعيق التزهير وعقد الثمار.إذاً ، هذا الاعتقاد خاطىء فإن أشجار الزيتون تنتج الثمار في معظم السنوات ولكن قد يختلف الانتاج من عام لآخر بسبب عوامل مثل الظروف التي ذكرناها.
وبينما يتعافى بعض المزارعين يواجه آخرون تحديات أكبر في المناطق الواقعة على الشريط الحدودي ، كما يروي الحسيني، قائلاً: أن المزارعين يواجهون مخاطر يومية في محاولتهم الوصول الى حقولهم ، إذ ان هناك تقارير باستشهاد بعضهم نتيجة القنابل التي تلقى عليهم أثناء محاولاتهم الدخول الى أراضيهم، ووفقا له، حاول الجيش اللبناني بالتعاون مع البلديات وبالتنسيق مع قوات اليونيفل إيجاد آلية لإبلاغ الجانب الاسرائيلي مسبقا بان المزارعين سيتوجهون لقطاف الزيتون بمرافقة دوريات من الجيش اللبناني وقوات من اليونيفل ، في بعض المناطق نجح الأمر، لكن في مناطق أخرى منعوا من الدخول وتعرّض بعضهم للمضايقات واطلاق النار رغم حصولهم على تصاريح رسمية. ويؤكد الحسيني، أن موسم الزيتون والزيت ضعيف للغاية هذه السنة لعدة أسباب، منها: عدم القدرة على الاهتمام بأشجار الزيتون العام المنصرم من جرّاء الحرب، التي حالت دون وصول المزارعين الى اراضيهم، وتسببت في إهمال البساتين وتدمير بعض المحاصيل، بالاضافة الى الظروف المناخية وشح الامطار التي أدّت الى المزيد من التراجع في الانتاج، كما أدّى إنخفاض العرض الى ارتفاع كبير في الأسعار، إذ بلغ سعر صفيحة الزيت ( 16 ليترا) بين 150 و200 دولار، فيما يباع الزيتون المكبوس بنحو 20 دولارا للكيلو والنصف، يمكن القول أن» ثلث موسم الزيتون في الجنوب اختفى». ويتابع الحسيني، بلغ الانتاج لهذا الموسم كنسب أوّلية نحو 20% من الانتاج العام السنوي حيث بلغت الخسائر نحو 70% مستندا الى مقارنة مقلقة بين الوضع الحالي والسنوات السابقة جرّاء الاعتداءات الاسرائيلية وتداعياتها . ولتحديث زراعة الزيتون في لبنان، يقول الحسيني، يجب تغيير الطرق القديمة بالاعتماد على التقنيات الحديثة مثل الري بالتنقيط، استخدام أنواع الاشجار المناسبة، والانتظام في التقليم أما بالنسبة لتخزين الزيتون فيجب التحول من الطرق التقليدية الى التخزين باستخدام مستودعات مبردة تساعد في التحكم في درجة الحرارة والرطوبة مما يضمن الحفاظ على الزيتون لأطول فترة ممكنة ، مشيرا الى ان لبنان لا يزال لاعبا صغيراً على مستوى سوق الزيتون وزيته عالميا، إذ يساهم بأقل من 1% من الانتاج العالمي على الرغم من المساحات المزروعة بشجر الزيتون نسبة الى مساحته على المستوى العربي. وحول تصريف الانتاج قال: رغم ضعف الموسم فإن التصريف مقبول لافتا الى ان معظم سكان القرى يعتمدون على الزيتون كمصدر رزق أساسي ، ويذهبون الى أراضيهم بحذر وخوف من أي ضربة إسرائيلية سيما بعد التهديدات الاسرائيلية اليومية التي زادت وتيرتها هذه الأيام.
ماذا عن التعويضات؟
يؤكد الحسيني، نحن بأمس الحاجة الى تعويضات من قبل وزارة الزراعة، مشددا على ضرورة مساعدة أبناء الجنوب لافتا الى ان النقابة تبذل جهداً مع المعنيين في الوزراة موضحا أن اي تعويض فعلي لم يقدم حتى الآن رغم وعود بعض الجهات الدولية والمنظمات غير الحكومية كمنظمة الأمم المتحدة والفاو مؤكدا أن الموضوع ما زال قيد المتابعة مشيرا الى ان المسوح الدقيقة لم تنجز بالكامل .
ويلفت الى ان بعض المناطق اكتفى فيها المزارعون بتقديم طلبات أو استمارات يصرّحون فيها عن حجم الأضرار وقيمتها ونوعها، بينما هناك مناطق أخرى خاصة القريبة من الخط الأزرق وعلى بعد 4 الى 5 كيلومترات مازال الوصول اليها مستحيلاً بسبب الحرق والجرف ومنع الاحتلال دخولها، مما يجعل نسبة من الأضرار غير محسوبة بدقة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.