الحميدان: الشرق الأوسط بين هدنة غزة وتوتر لبنان
بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
الغارات الإسرائيلية المكثفة ضد حزب الله في لبنان بعد اتفاق غزة تمثل مشهداً معقداً يتجاوز حدود العمل العسكري إلى أبعاد سياسية واستراتيجية عميقة إذ لم يكن التصعيد الجوي الأخير حدثاً منفصلاً بل جاء امتداداً لمرحلة ما بعد اتفاق غزة الذي سعت من خلاله الأطراف الدولية إلى إرساء تهدئة جنوبية في فلسطين، إلا أن إسرائيل وجدت في هذا الاتفاق فرصة لتوسيع نطاق الضغط شمالاً ضد حزب الله في لبنان معتبرة أن أي هدوء في غزة يجب أن يقابله تحجيم للقدرات العسكرية لحزب الله في المقابل ولهذا فان تل أبيب تستخدم الغارات كوسيلة استباقية لمنع نقل الخبرات أو الأسلحة من القطاع إلى الأراضي اللبنانية وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
كما أن إسرائيل تسعى من خلال هذه العمليات إلى التأكيد أن وقف النار في غزة لا يعني بأي حال وقف نشاطها العسكري في الجبهات الأخرى وأنها تحتفظ بحقها في الرد والضرب متى رأت ضرورة لذلك وفي الوقت نفسه تشكل هذه الغارات رسالة سياسية مزدوجة الأولى موجهة إلى حزب الله وإيران بأن إسرائيل قادرة على التحرك في أي وقت والثانية إلى المجتمع الدولي بأنها لن تسمح بفراغ أمني على حدودها الشمالية.
أما من زاوية القانون الدولي فإن تلك الهجمات تمثل انتهاكاً واضحاً لسيادة لبنان وللاتفاقيات الخاصة بوقف الأعمال العدائية ما يجعل الحاجة إلى إطار شامل لوقف إطلاق النار يشمل الجبهتين الجنوبية والشمالية أمراً ضرورياً كما أن ضعف قدرة الدولة اللبنانية على فرض سيطرتها الكاملة في الجنوب يمنح إسرائيل ذريعة إضافية لتبرير عملياتها تحت عنوان الدفاع الوقائي.
وإذا كان اتفاق غزة قد حقق هدنة إنسانية وسياسية مؤقتة فإنه من الممكن أن يُستثمر ليصبح منصة لحل أوسع يشمل لبنان من خلال ربط مساري التهدئة بحيث تكون أي انتهاكات شمالية أو جنوبية خرقاً واحداً لاتفاق شامل وتحت إشراف دولي متعدد الأطراف والذي يمكن من خلاله مراقبة وتنفيذ البنود الأمنية والإنسانية في آن واحد ولوقف الضربات ضد لبنان لا بد من إنشاء آلية رقابة عربية ودولية تشارك فيها الأمم المتحدة والجامعة العربية تضمن التزام الطرفين بوقف العدوان إضافة إلى دعم الجيش اللبناني وتمكينه من السيطرة على الحدود بما يُسقط ذريعة إسرائيل بأن حزب الله يتحرك بحرية خارج سلطة الدولة.
كما يمكن للدبلوماسية السعودية والفرنسية التي رعت مؤتمر حل الدولتين أن تلعب دور الوسيط لتوسيع مظلة التهدئة لتشمل لبنان أيضاً وربط أي مساعدات لإعادة إعمار غزة بالتزام جماعي بعدم التصعيد في المنطقة فلبنان لا يستطيع تحمّل حرب مفتوحة جديدة خصوصاً في ظل أزماته الاقتصادية والسياسية وبالتالي فإن استقرار الشمال مرتبط عضوياً بنجاح مسار التسوية في غزة.
وفي حال تم دمج الملفين في إطار واحد ستتحول اتفاقية غزة من هدنة محدودة إلى معاهدة استقرار إقليمي تعيد التوازن بين الأمن والتنمية في المنطقة وهنا يمكن استدعاء رؤية المملكة 2030 كمفهوم شامل للسلام والتنمية إذ تقدم نموذجاً عربياً جديداً يرى أن الأمن لا يتحقق بالقوة وحدها بل بالاقتصاد والعمران وبناء الجسور مع الآخر وهذا المفهوم يمكن أن يشكل ركيزة لتسوية دائمة تُعيد تعريف الصراع العربي الإسرائيلي من مواجهة صفرية إلى شراكة ممكنة فوقف الغارات على لبنان لن يتحقق فقط بضغط سياسي بل بإعادة صياغة البيئة الإقليمية التي تنتج التوتر لذلك فإن تحويل اتفاق غزة إلى إطار استراتيجي يعالج جذور التوتر في لبنان وسوريا والعراق معاً سيجعل الضربات غير مبررة ويمنح المنطقة فرصة نادرة للانتقال من منطق الحرب إلى منطق البناء والسلام بشرط أن يكون السلاح المنفلت في هذه البلدان تحت سيطرة الدوله ولا سلاح يعلوا فوق سلاح الشرعيه.
اللواء الدكتور عبداللطيف
بن محمد الحميدان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.