الدور المصري في حرب غزة
كتب عوني الكعكي:
القليل من الناس يعلمون ماذا تفعل جمهورية مصر العربية بالنسبة للحرب الدائرة منذ سنتين في غزة وبدأنا بالسنة الثالثة، وذلك لسبب بسيط: إنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤمن بمبدأ العمل بصمت، ولا يحب أن يقول ماذا يعمل… إلاّ بعد انتهاء العمل. ومن هذا المبدأ فإنّ لمصر دوراً كبيراً جداً، لكنه مؤثر جداً وصامت، خصوصاً أنّ مدينة غزة تقع على حدود جمهورية مصر العربية. والشعب المصري عنده علاقات تاريخية مميّزة وقديمة مع أهل غزة التي تعتبر بالنسبة للمصريين بلداً واحداً.
ولم تدخر جمهورية مصر العربية جهداً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في مساندة الشعب الفلسطيني، حيث قدّمت دعماً غير محدود للفلسطينيين على كافة المستويات السياسية والإنسانية والأمنية، فتركزت الجهود المصرية من خلال الاتصالات واللقاءات والمؤتمرات الصحافية على التأكيد على الموقف المصري الواضح بشأن رفض المخططات الإسرائيلية الرامية الى تهجير الفلسطينيين. وقد عُقدت أوّل قمة دولية معنية بالتطورات بقطاع غزة (قمة «القاهرة للسلام») يوم 2023/10/21 بمشاركة عربية ودولية واسعة، واستجابت العديد من الدول للمشاركة في هذه القمة والتي مثلت رسالة واضحة للعالم بقوة الموقف المصري من الأزمة.
كما عقدت قمة عربية- إسلامية بالقاهرة خلال شهر مارس (آذار) 2025 تم خلالها التوافق على الخطة المصرية بشأن إعادة إعمار غزة، وتقديم مصر مرافعة أمام «محكمة العدل الدولية» تم خلالها تسليط الضوء على الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والتلويح باعتزام «القاهرة» الانضمام للدعوى القضائية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في هذه المحكمة.
واستمرت الاتصالات والتحركات المصرية بشكل مكثف مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية منذ بداية الأزمة حتى الآن لحشد المجتمع الدولي لدعم الرؤية المصرية، لرفض أية عمليات نزوح أو تهجير، وتحميل إسرائيل مسؤولياتها كدولة احتلال، والتأكيد على ضرورة دعم السلطة الفلسطينية وعودتها لإدارة قطاع غزة عقب الحرب.
إلى ذلك، كانت مصر تهدف من تحركاتها العمل على توحيد الصف الفلسطيني للتصدّي للمخططات الإسرائيلية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية حيث استضافت في شهر أكتوبر 2024 لقاءات بين حركتي «فتح» و«حماس» في إطار تعزيز المصالحة الوطنية والإعداد لترتيبات اليوم التالي للحرب، وتمّت مناقشة المقترح المصري لتشكيل «هيئة إسناد مجتمعي» لإدارة قطاع غزة، كما أكدت مصر دائماً على أهمية أن تسفر أية جهود في «مرحلة ما بعد الحرب ضد غزة» عن استضافة العملية السياسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عقب تهيئة المناخ الملائم الذي يجب أن يستند لإجراءات محددة بحيث يتم التوصّل لتطبيق مبدأ «حل الدولتين» باعتباره الحل الوحيد الذي يضمن الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أنّ أية حلول ستقتصر على وضعية قطاع غزة فقط مستقبلاً لن تؤدي لإقرار السلام إرتباطاً باستمرار فقدان الأمل لدى الفلسطينيين من وجود حل سياسي لقضيتهم.
كذلك، نجحت الاتصالات المصرية مع الجانب الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بالتنسيق مع الجانب القطري وبرعاية أميركية خلال شهر نوڤمبر 2023 في التوصّل الى هدنة إنسانية لمدة 7 أيام تم خلالها الإفراج عن عدد 80 إسرائيلياً وعدد 3 جثامين، وعدد 22 فرد من حاملي الجنسيات الأخرى، مقابل الإفراج عن 240 فرداً من النساء والأطفال الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، وتوسيع عملية دخول المساعدات لمواطني غزة، كما أسفرت الجهود المصرية بالتنسيق مع الوسطاء للتوصّل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار، وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح في التوصّل لاتفاق بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يوم 2025/1/19 مقسّم على ثلاث مراحل كل منها لمدة 42 يوماً حيث تم خلالها الإفراج عن عدد 33 رهينة إسرائيلي مقابل الإفراج عن عدد 1924 أسيراً فلسطينياً، مع إدخال المساعدات حوالى 600 شاحنة يومياً، وانسحاب إسرائيل تدريجياً من بعض المناطق بقطاع غزة، وإعادة فتح معبر رفح البرّي لخروج 50 فلسطينياً يومياً من الجرحى والمصابين الفلسطينيين، إلاّ أنّ الجانب الإسرائيلي عرقل استكمال مراحل الاتفاق عبر إقدامه على عملية عسكرية منفردة ضد القطاع يوم 2025/3/18 مما أدّى الى استئناف القتال بالقطاع مرّة أخرى.
كما أنّ الوسطاء نجحوا في إبريل (نيسان) 2025 في دفع حركة حماس للموافقة على الإفراج عن الرهينة الإسرائيلي/ الاميركي «ألكسندر أيدن» دون مقابل كبادرة حسن نوايا من جانب حركة حماس لإثبات جدّيتها إزاء التوصّل لوقف إطلاق النار في غزة، والتجاوب مع جهود الوسطاء، كما طرح الوسطاء مقترح يوم 2025/8/15 يتضمن إتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار يشمل وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، وتحرير 10 رهائن وإعادة 18 جثة، وتوزيع المساعدات وفقاً لآلية اتفاق 2025/1/19 (بدء مفاوضات منذ اليوم الأول بين الطرفين بشأن الترتيبات اللازمة لوقف دائم للحرب، ضمان الوسطاء والولايات المتحدة إستمرار وقف إطلاق النار خلال 60 يوماً، وضمان الرئيس دونالد ترامب إستمرار المفاوضات الجادة لفترة إضافية لحين توصّل الطرفين لاتفاق شامل) ودفع «حماس» للقبول به، إلاّ أنه تم طرح شروط تعجيزية من إسرائيل أدّت لعرقلة إتمامه، وقد توصلت الجهود المصرية لاستئناف المفاوضات عقب الضربة الإسرائيلية يوم 2025/9/9 ضد وفد «حماس» المفاوض بالدوحة.
وتحرص مصر دائماً على التخفيف من حدّة الأزمة الإنسانية التي يواجهها قطاع غزة خلال الفترة الأخيرة، وذلك من خلال التنسيق مع المنظمات الدولية الإغاثية لاستمرار تدفّق المساعدات الإنسانية المطلوبة لسكان القطاع والتي يتم استقبالها بمطار العريش بمحافظة شمال سيناء المصرية (تتحمّل مصر حوالى 80% من المساعدات) وتكثف التواصل مع الجانب الإسرائيلي منذ يوم 2024/5/8 عقب سيطرته على معبر رفح من الجانب الفلسطيني وتعزيز تواجده بمحور فيلادلفيا، من أجل الضغط لزيادة معدّل إدخال المساعدات للقطاع من خلال معبر «كرم أبو سالم»، والعمل على فتح كافة المعابر مع القطاع لزيادة أعداد الشاحنات يومياً (وصلت المساعدات التي تمر للقطاع مؤخراً الى حوالى 250 شاحنة يومياً).
كما استضافت مصر يوم 2024/12/2 مؤتمراً إنسانياً بشأن الأوضاع بقطاع غزة لتوفير الإحتياجات اللازمة للحد من تأزم الأوضاع هناك، وتم مناقشة الاستعدادات اللازمة للبدء في إعادة إعماره وإنشاء مخيمات مصرية للفلسطينيين النازحين من منازلهم داخل قطاع غزة (دير البلح ورفح وخان يونس) وذلك لتقديم المساعدات والرعاية لهم بغزة، وتكثيف الضغوط على إسرائيل لإعادة فتح معابر قطاع غزة وفك الحصار عن القطاع، وتذليل أية عقبات أمام إدخال هذه المساعدات بشكل يومي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.