السعودية تؤكد أن السلام نهج لا شعار

5

بقلم اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

في عالمٍ تزداد فيه الاضطرابات وتتعاظم فيه النزاعات تبرز المملكة العربية السعودية كصوتٍ عاقل ورسالة سلامٍ متجذرة في ضمير الإنسانية فهي بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومنطلق الرسالة الخالدة التي تحمل قيم العدل والتسامح والتعاون بين الشعوب ومن هذا المنطلق حملت المملكة رسالتها الحضارية إلى العالم ساعية إلى أن تكون جسرًا للتواصل ورافعة للسلام ومصدرًا للعون الإنساني في كل مكان فمنذ تأسيسها انتهجت المملكة سياسة خارجية متوازنة تؤمن بأن السلام ليس خيارًا تكتيكيًا بل نهجًا استراتيجيًا لصون الأمن الإقليمي والدولي فكانت ولا تزال حاضرة في كل مبادرة ترمي إلى نزع فتيل النزاعات وتحقيق الاستقرار لقد لعبت المملكة دورًا محوريًا في العديد من القضايا الإقليمية فكانت راعية للوساطة ومظلة للحوار في أزمات المنطقة حيث احتضنت محادثات جدة بين الأطراف السودانية المتنازعة في محاولة جادة لوقف النزيف وإعادة السودان إلى مسار الأمن والاستقرار كما قادت الجهود السياسية لحل الأزمة اليمنية عبر دعم الحكومة الشرعية وفي الوقت نفسه قدّمت المبادرات المتكررة لإنهاء الحرب من خلال حل سياسي يضمن وحدة اليمن وأمنه وفي لبنان لم تتخلَّ المملكة يومًا عن دعم الشعب اللبناني ومؤسساته الشرعية إذ قدّمت الدعم السياسي والاقتصادي المتواصل للحفاظ على استقلاله واستقراره كما كانت حاضرة في كل المبادرات العربية لتجنيب لبنان الفوضى والانقسام أما في سوريا فقد تبنّت الرياض منذ بداية الأزمة موقفًا يقوم على ضرورة وقف الحرب وحماية المدنيين ودعم الحل السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة مؤكدة أن وحدة سوريا وسلامة شعبها أولوية لا يمكن المساومة عليها وفي العراق وقفت المملكة إلى جانب شعبه في مرحلة ما بعد الحروب وسعت إلى تعزيز العلاقات الأخوية وإعادة دمجه في محيطه العربي من خلال فتح البعثات الدبلوماسية وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية التي تسهم في ترسيخ استقراره ولم تكن جهود المملكة مقتصرة على المجال السياسي بل امتدت لتشمل الجانب الإنساني والإنمائي حيث تتصدر السعودية قائمة الدول المانحة في العالم عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي نفّذ آلاف المشاريع في أكثر من تسعين دولة مقدّمًا الغذاء والدواء والتعليم والمأوى لملايين المتضررين في مناطق الصراع والكوارث من اليمن وسوريا وفلسطين إلى أفريقيا وآسيا مجسّدًا البعد الإنساني الراسخ في سياسة المملكة وقيادتها كما برزت المملكة في دعمها لمبادرات السلام العالمية من خلال مشاركتها الفاعلة في إعلان نيويورك الذي أكّد على التزام الدول بتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الكرامة الإنسانية وكانت الرؤية السعودية فيه واضحة بأن السلام لا يتحقق إلا بالعدالة والتنمية واحترام سيادة الدول وفي سياق دعمها الثابت للقضية الفلسطينية أعادت المملكة التأكيد في مؤتمر حل الدولتين على مركزية مبادرتها العربية للسلام التي أطلقتها عام 2002 والتي ما زالت تشكّل الأساس الأكثر واقعية وشمولاً لإنهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية إذ شددت الرياض على أن العدالة للشعب الفلسطيني هي مفتاح الاستقرار في المنطقة بأسرها وأن لا سلام دائمًا من دون حلٍّ عادلٍ يضمن حقوقه المشروعة كما تستمر المملكة في خدمة العالمين العربي والإسلامي عبر قيادتها لمنظمة التعاون الإسلامي ودعمها لجامعة الدول العربية في الوقت الذي تؤدي فيه دورًا اقتصاديًا محوريًا لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية بما ينعكس على رفاهية الشعوب وعلى الصعيد الديني والإنساني تواصل المملكة تطوير خدمات الحج والعمرة مسخّرة إمكاناتها الضخمة لخدمة ملايين الحجاج والمعتمرين والزائرين في صورة متكاملة تعكس عظمة رسالتها الدينية والإنسانية وهكذا تثبت المملكة العربية السعودية قولًا وفعلاً أنها ليست فقط دولة ذات نفوذ إقليمي ودولي بل هي قلب العالم الإسلامي النابض وعقل المنطقة الرشيد تعمل من أجل السلام لا من أجل الصراع ومن أجل التنمية لا من أجل الهيمنة وفي زمن تتعدد فيه الأزمات وتتقلص فيه المبادئ تبقى المملكة منارة للسلام وضميرًا حيًا للأمة تحمل رسالتها من مكة والمدينة والرياض إلى العالم أجمع لتؤكد أن السلام هو خيار الأقوياء وأن من يحمل رسالة الحرمين لا بد أن يكون حاملًا لرسالة السلام.

اللواء الدكتور عبداللطيف

بن محمد الحميدان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.