السياسة حوار وليست شتائم… والكلمة تسبق الرصاصة

المطلوب اليوم هو العودة إلى لغة الاحترام

4

بقلم دافيد عيسى

 

في زمن تتكاثر فيه الأزمات والخلافات السياسية حول قضايا أساسية في البلاد، بات من الضروري التذكير بأن اللغة التي نستخدمها في قاموسنا السياسي ليست تفصيلًا عابرًا، بل هي انعكاس لشخصيتنا وأخلاقنا ومستوى وعينا. فالحوار السياسي ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان استقرار وطننا وتقدّم شعبنا.

في الآونة الأخيرة، بدأنا نسمع كلامًا مهينًا يُوجَّه أحيانًا بحق طوائف ومجموعات سياسية بأكملها.

هذه الظاهرة لا تقتصر على جهة واحدة، بل يشترك فيها أشخاص من طوائف وأحزاب مختلفة، مما يزيد التشنج والتوتر في البلاد، ويبعد النقاش عن جوهره، ويحوله من نقاش سياسي إلى خلاف طائفي أو مذهبي، اضافة الى إهانات وشتائم متبادلة.

هؤلاء الأشخاص الذين يبالغون في الشتائم والتحقير، يستخدمون أيضًا لغة التخوين التي نسمعها بكثرة هذه الأيام، وهم يعتقدون أنّ كلامهم المهين سينال إعجاب الفريق السياسي أو الطائفي الذي ينتمون إليه، لكنهم يخطئون في التقدير.

فالشتيمة لا تبني حوارًا، ولا تُسقط خصمًا سياسيًا، ولا تُقنع جمهورًا مغايرًا، بل على العكس، فهي تُسقط صاحبها أخلاقيًا وتفقده صدقيته، كما تعمّق الشرخ بين اللبنانيين.

هؤلاء يتحدثون وكأن مفتاح الحل والربط بيدهم، وهم لا يدركون أنّ الناس غالبًا ما تسخر منهم عندما يتحدثون بهذه الطريقة.

علينا جميعًا في هذا الوطن أن نعرف أنّ لبنان بلد التنوّع، فيه ثماني عشرة طائفة، وهذا الاختلاف ليس عيبًا، بل مصدر غنى، شرط أن يُدار ضمن أطر الاحترام المتبادل. يمكن أن نختلف، وأن نتواجه في السياسة، أن نعارض ونعترض، لكن هناك خطًا أحمر يجب ألا يُتجاوَز: وهو خط احترام رأي الآخر، وتحريم العنف واستعمال السلاح ضد بعضنا البعض.

ولأننا نعيش اليوم في زمن حساس، فقد مرّ لبنان بتجارب مريرة من حروب أهلية وصراعات دامية، وكان أخطر ما فيها تحوّل الخلافات السياسية إلى شتائم متبادلة ثم إلى عنف دموي.

لذلك، علينا أن نتعلّم الدرس: “الكلمة تسبق الرصاصة”. وإذا لم نحترم بعضنا البعض في الكلام، فإننا نفتح الباب أمام الأسوأ.

المطلوب اليوم هو العودة إلى لغة الاحترام. وهنا لا اقصد أن نتشابه أو نذيب خلافاتنا في الرأي، بل أن نتعايش في ظلّها.

يجب أن ندرك أنّ الحفاظ على كرامة الآخر أمر مفروغ منه وضروري، وأن أي إهانة تطال طائفة أو جماعة أو حزبًا، فهي إهانة تطال الجميع وتُضعف اللبنانيين جميعًا في النهاية.

إنّ الطريق إلى لبنان أفضل يبدأ من إدراك أنّ لا أحد يمكن أن يلغي الآخر، وأن مستقبلنا مرتبط بتلاحمنا لا بتفرقنا، وأن مصيرنا واحد مهما تباعدت السياسات وتناقضت المشاريع.

دافيد عيسى

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.