السّعوديّة– باكستان– إيران: بن سلمان يعيد رسم موازين قوى المنطقة – 1
بقلم ابراهيم ريحان
«أساس ميديا»
ماذا يعني توقيع اتّفاق الدّفاع المُشترك بين المملكة العربيّة السّعوديّة وباكستان؟ ما تأثير ذلكَ على التّحالفات وموازين القوى في الشّرق الأوسط؟ ماذا حمَلَ لقاء وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان مع أمين عام مجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ علي لاريجاني؟ ما علاقة الأخير بما صرّحَ به الشّيخ نعيم قاسم حولَ فتح صفحة جديدة بين الحزب والسّعوديّة؟
وجّهَت المملكة العربيّة السّعوديّة رسالةً من “العِيار الثّقيل” إلى من يعنيهم الأمر في الشّرق الأوسط. ليسَ تفصيلاً عابراً أن يُوقِّعَ وليّ العهد السّعوديّ ورئيس الوزراء الأمير محمّد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف اتّفاقاً للدّفاع المُشترك في هذا التّوقيت الإقليميّ والدّوليّ الدّقيق.
على التّوازي كان الأمير محمّد بن سلمان يستقبل أمين عام مجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ علي لاريجاني في قصر اليمامة في الرّياض. وذلكَ بعد اللقاء الذي جمعه مع الرّئيس الإيراني مسعود بزشكيان على هامش القمّتيْن العربيّة والإسلاميّة الاستثنائيّتيْن في العاصمة القطريّة الدّوحة عقب العدوان الإسرائيليّ على قطر. لم تكد تمضي أيّام على الاجتماعات السّعوديّة – الإيرانيّة، حتّى دعا أمين عام “الحزب” إلى فتح ما سمّاه “صفحة جديدة” مع المملكة.
كلام قاسم… من برّي إلى لاريجاني
لم يكُن كلام الشّيخ قاسم من بناتِ أفكاره. إذ تؤكّد معلومات “أساس” أنّ رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي كان قد نصحَ لاريجاني، الذي وصفَ برّي بأنّه “أستاذه” أثناء زيارته الأخيرة إلى بيروت منتصفَ الشّهر الماضي، بضرورة أن تعمَلَ طهران على خطّ الرّياض– حارة حريك. ذلكَ أنّ المملكة تسعى إلى الاستقرار الإقليميّ، وأنّ “الحزبَ” لم يعُد عينه بالانفلاش الإقليميّ بعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة.
إذ إنّ حالة اختلال الاستقرار في المنطقة دفعَت الحوار السّعوديّ– الإيرانيّ قُدماً، خصوصاً بعد الهجوم الإسرائيليّ على إيران في حزيران الماضي، والاعتداء على الدّوحة. كما يأتي تفعيل قنوات التواصل على المستويات الرّفيعة بين الرّياض وطهران في إطار سيّاسة المملكة لخفضِ التصعيد في المنطقة، وتحديداً في منطقة الخليج العربيّ.
هذا ما حاول الإيرانيّون استغلاله، فطلبوا من أمين عام “الحزب” أن يُوّجه رسائل إيجابيّة نحوَ الرّياض. لكنّ المملكة في الوقت عينه تنظر إلى علاقتها مع إيران على أنّها علاقة مؤسّساتيّة قائمة من دولة إلى دولة. وذلكَ على عكس وضع “الحزب” الذي لا يزال مُدرَجاً على لوائح الإرهاب السّعوديّة والخليجيّة.
في الوقتِ عينه تعتبر الرّياض أنّ قنوات التّواصل الرّسميّة مع طهران تلعبُ دوراً محوريّاً في إرساء الاستقرار الإقليميّ، بسبب دور إيران ونفوذها في المنطقة، والذي على الرّغم من تراجعه بشكلٍ دراماتيكيّ، إلّا أنّه لا يزال مؤثّراً في لبنان واليمن والعراق وإن بشكلٍ أقلّ من السّابق.
بالتّالي، إنّ الحوار السّعوديّ – الإيرانيّ لا ينفصل عن رؤية المملكة لتعزيز الأمن الإقليميّ مع الدّول المؤثّرة في الشّرق الأوسط، مثل تركيا وباكستان، التي وقّعت معها اتفاق الدّفاع المُشترك الاستراتيجيّ.
160 رأساً نوويّاً.. سعوديّاً؟
الاتّفاق السّعودي – الباكستانيّ واضحٌ بما لا يقبل التأويل: “إنّ أيّ اعتداء على أحدِ الطرفَيْن يُعَدُّ اعتداءً على الآخر، مع تأكيد أنّ جَميعَ الوسائِل العَسكريّة سَتكونُ متاحة للدّفاعِ المُشترَك”. هذا يعني أنّ التّرسانة النّوويّة الباكستانيّة ستكونُ متاحةً للدّفاع عن المملكة في حال تعرّضِها لأيّ اعتداءٍ من أيّ جهةٍ كانَت. بكلامٍ آخر، يُمكنُ القول إنّ السّعوديّة باتَت تحتَ “مظلّة ردعٍ نوويٍّ” تزيدُ على 160 رأساً نوويّاً للدّفاع عنها.
جديرٌ بالذّكر أنّ تقارير غربيّة عدّة كانت قد تحدّثت سابقاً عن تمويل السّعوديّة للبرنامج العسكريّ النّوويّ في إسلام آباد، إلّا أنّ الرّياض وإسلام آباد نفتا هذه الأنباء. لكنّ المؤكّد أنّ الاتّفاق يشملُ استثماراً سعوديّاً في القدرات العسكريّة الباكستانيّة، التي تشهدُ تطوّراً لافتاً بسبب تبادل الخبرات الباكستانيّة – الصّينيّة، والباكستانيّة – التّركيّة في مجالات صناعة وتطوير الطّائرات المُسيّرة والمُقاتلات والدّفاع الجوّيّ.
أمّا بالنّسبةِ لباكستان، فيُمكنُ اختصارُ الموقَفِ بما عبّر عنه شهباز شريف بعد توقيعِ الاتّفاق: “سنلعبُ دوراً محوريّاً في الدّفاعِ عن أرضِ الحرَميْن”. ويُعزّز هذا الموقف ما أعلنهُ “مؤتمر عُلماء باكستان” على لسان رئيسه العلّامة طاهر أشرفي بقوله إنّ “باكستان الآن أصبحت جزءاً مُهمّاً في الدّفاع عن أرضِ الحَرَميْن الشّريفيْنِ، ولن تألو جهداً في سبيل ذلك، ومن هنا يعلن المؤتمر أن يكونَ يوم الجُمعة يومَ الشُّكرِ لله”.
80 عاماً من العلاقة الاستراتيجيّة
منبعُ هذا الموقف هو النّظرة الباكستانيّة للعلاقة الاستراتيجيّة مع السّعوديّة، التي تمتدُّ إلى أكثر من 8 عقودٍ من الزّمن. من يجيد قراءة الرّسائل السّعوديّة تجاه الحُلفاء، يستطيع أن يستخلِصَ مدى عمقِ العلاقة بين الرّياض وإسلام آباد، خادمَ الحرمَيْن الشريفَيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز زارَ باكستان مرّتَيْن، مرّةً بصفتهِ ملكاً، ومرّةً عندما كانَ أميراً للرّياض. وزارَ الملك الرّاحل عبدالله بن عبدالعزيز باكستان 5 مرّاتٍ. وزارها وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان عام 2019.
تدعمُ المملكة باكستان منذ انفصالها عن الهندِ، وتدعمُ موقفَ إسلام آباد من قضيّة كشمير، التي تُعتبر القضيّة المركزيّة للسّياسة الباكستانيّة في صراعها التّاريخيّ مع جارتها الهند.
يتبع غداً
ابراهيم ريحان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.