الصيف في الطابق الفوقاني!

17

بقلم فوزي عساكر

رئيس تحرير مجلة «العالمية»

تخرّج استيفان من معهد العلوم الذرية، والتحق بوكالة عالـمية، وافتخرت به بلدته الأصيلة، واقام له أهلها الولائم والعزائم، وبارك له الجميع. واشتهت كل سيدة من سيدات الضيعة تزويجه لبنتها، فهو مفخرة البلدة.

ووالده الذي احدودب ظهره من التعب والعناء، كي يؤمّن له مصاريف الجامعة، كان فخورًا به وهو يستند إلى عصاه، ودموع الفرح تَجري في أثلام تَجاعيد وجهه الوقور!

وصورة أمه على الحائط، تَجمّدت فيها ابتسامة الرضى الأخيرة، حين كانت ترى فيه الأمل، وهي تغادر عالمنا، لأنّ الموعد مع الموت لا يحتمل التأجيل!

نَجاح استيفان بتخرّجه، كان فرحةً عارمة لكل أهل البلدة الأوفياء. حتى أنّ اسم بلدته أصبح على خارطة المتفوّقين في العالم، فقرر استيفان زيارة حاكم البلاد!

هبَّ كل شباب الضيعة لمرافقة استيفان إلى زيارة الحاكم، فاستقلّوا الحافلات، وانطلقوا بموكب عرس الإبداع، بعد أن حصل استيفان على موعد لمقابلة الحاكم.

وصل الموكب إلى قصر الحاكم، وترجّلَ الجمهور المرافق وتَجمهروا في ساحة القصر، فدخل استيفان، ومعه عشرات الأسئلة من أهل بلدته إلى الحاكم، للإطمئنان على سلامتهم في بلد الحرب.

دخل استيفان، واستقبله الحاكم، وهنّأه بمرتبته العالية، واستمع إليه وهو يخبره عن مراحل الدراسة والتفوّق والتخرّج والالتحاق بالوكالة الدولية. لكنّ الحاكم لم يرَ فيه ما يجب أن يراه؛ ولم يلفته أنه قد ينقذ البلاد من دوّامة الحرب ويرفعها إلى نهضة كبرى؛ ولم يرَ فيه كفاءته العالية لخير البلاد، بل كان فقط يستمع ويهزّ برأسه.

فسأله استيفان عن الأوضاع السياسية والأمنية ومستقبل البلاد، فكان جواب الحاكم: “العلم عند الله”. فأُحبِطَ استيفان الذي كان يعتقد أنه يحاور سيد القرار، وفوجئ أنّ وطنه سفينة تقودها الأقدار!

وفيما كان يعتقد أنّ الحاكم يملك كل الحقيقة، خاف خوفًا شديدًا على مصير البلاد، بعدما تأكد أن الحاكم لا يحكم، إنّما الحكم بيد الدولة العميقة تحت الأرض، والصيف في الطابق الفوقاني!

فوزي عساكر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.